السلطان البرلمان لأجل غير مسمى، وعلق الدستور، غير أنه لم يلغه. وكان السلطان قد أرسل واضعه، مدحت باشا، إلى المنفى، ثم سمح له بالعودة. إلا أنه أوقف بعد ذلك بتهمة قتل عبد العزيز (الذي انتحر، بالواقع، بعد خلعه بقليل) وحكم عليه بالإعدام، ثم استبدل هذا الحكم بالإقامة الجبرية في الحجاز، حيث قتل بلا ضجة بعد بضع سنوات، فماتت بموته أول حركة دستورية. وهكذا عاد عبد الحميد سيدًا مطلقًا، فاتبع مجددًا، على ما يبدو، سياسة أسلافه: الإصلاح الإداري، لكن من فوق. إلا أنه كان قد نفذ، في السنوات الأولى على الأقل، الخطوط الرئيسية لسياستهم: تطوير النظام القضائي والإداري لجعله حديثًا، وإقامة المركزية التي أتاح تحقيقها للمرة الأولى استخدام البرق وبناء الخطوط الحديدية وإنشاء المدارس الابتدائية والثانوية والعليا. غير أن سياسته، لا بل طبيعة جاذبيتها، تغيرت مع الأيام. فصورة السلطان التي تكونت تدريجًا منذ أيام محمد الثاني، كعاهل طيب القلب، وليبرالي كريم، وأب لجميع شعوبه على السواء، مسلمين كانوا أم مسيحيين أم يهودًا، وكقائد لجميع قوى الإصلاح «الغربي»، لم تمح تمامًا، وإنما أخذت صورة أخرى تخفيها وراءها: صورة سلطان الإسلام السني، ظل الله على الأرض، المهيب بجميع المسلمين للالتفاف حول العرش دفاعًا عن الأمة. كما أصبح التشديد الآن على دور السلطان، كحارس الحج. وقد استخدم الخط الحديدي بين دمشق ومكة، الذي وضع تصميمه في 1903 وأكمل في 1908، لإثارة حماس المسلمين والفوز بتأييدهم. وكان هناك ما هو أهم من ذلك. فقد بعث السلطان من جديد مطلبه في الخلافة ودعمه بطريقة منظمة هذه المرة. وكان هذا المطلب قد برز في آخر القرن الثامن عشر، خصوصًا كأداة للمساومة في المفاوضات مع روسيا في نهاية حرب 1768 - 1774، ولم يعد إلى الظهور جديًا إلا على عهد عبد العزيز في الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر. لكن عندما وضع