من متانة وسلطة»، توجب على أوروبا الليبرالية أن تعوض هي عن ذلك النقص بإشرافها الفعال على تطبيقه (2).
تلك كانت كلمات مدحت باشا، رجل الدولة التركي الذكي الناجح الذي شغل مناصب عالية والذي شارك جماعة «تركيا الفتاة» معظم أفكارهم. لم يكن دومًا على وفاق معهم، كما كانوا هم على بعض الشك في نزعاته الأوتوقراطية. وفي 1876، بعد أن اندلعت الثورات وأخذت روسيا تهدد بالتدخل، قاد مدحت باشا انقلابًا استبدل به عبد العزيز، أولًا بابن أخيه مراد الخامس، ثم، بعد جنون السلطان مراد، بابن أخ آخر له هو عبد الحميد الثاني. وفي نهاية السنة، أعلن الدستور العثماني ناصًا على وزارة مسؤولة، ومجلس شيوخ معين، ومجلس نواب منتخب، ومجالس محلية. وفي 1877، انتخب أول مجلس للنواب. ومع أن الانتخابات جرت تحت ضغط الموظفين المحليين، والنواب لم يتكلموا جميعهم التركية، أو يعرفوا نظام المناقشات البرلمانية، ومع أن رئيس المجلس كان أحمد وفيق باشا، الذي تعرفنا إليه شابًا، والذي لم تغير الشيخوخة رأيه في ضرورة تجنب كل ما من شأنه إضعاف القوى التي توحد الإمبراطورية، أي سلطة العاهل وسيطرة العنصر الإسلامي، فإن المناقشات البرلمانية لم تكن مصطنعة بل حقيقية، عرضت فيها الآراء السياسية، وانتقد الوزراء وموظفو البلاط، لا بل ظهر خلالها إلى الوجود فئة معارضة (3). غير أن الدستور كان له أعداؤه: العلماء والمحافظون والسلطان نفسه الذي لم يكن مستعدًا، بالرغم من بعض اتصالاته مع جماعة «تركيا الفتاة» قبل اعتلائه العرش، أن يتنازل عن سلطته الشخصية. كان السلطان قد سلم بالدستور، لكن بضغط من الدول؛ ولما خف الضغط، شعر بقدرته على تمزيقه ساعة يشاء. وهكذا، فعندما تمادت المعارضة في جرأتها، وأخذت تسمي الوزراء الذين لم تثق بهم بأسمائهم، وتطالب بمحاكمة رئيس الوزراء السابق وكبار القواد الذين أثبتوا عجزهم في أثناء الحرب الأخيرة مع روسيا، حل