لتونس في 1881، واحتلال إنكلترا لمصر في 1882، يكشفان عن ما خفي من حقيقة ذلك الواقع. وهكذا تحول الفكر السياسي في الشرق الأدنى، من ذلك الوقت، تحولًا جذريًا. نعم، كانت حسنات الوجود الأوروبي، في نظر بعض نصارى الشرق الأدنى، تفوق سيئاته. إذ لم تكن السيطرة الأوروبية لتتعارض مع نظرتهم العامة في الحياة، ناهيك بما علقوا على هذه السيطرة من آمال النفوذ والثقافة لطوائفهم والفلاح لأنفسهم. أما المسلمون، أتراكًا كانوا أم عربًا، فقد بدا لهم إمكان استيلاء أوروبا على دفة الحكم تهديدًا لكيان مجتمعهم. إذ كانوا يعتقدون أن إحدى خصائص الأمة كونها مجتمعًا سياسيًا يعبر عن نفسه في جميع مظاهر الحياة السياسية، وأن هذا المجتمع إنما يزول بفقدان السلطة والسيادة. لذلك شغلت قضية الانحطاط الداخلي عقولهم دومًا. أما الآن، فقد اقترنت بها قضية جديدة، هي قضية البقاء، المطروحة على الشكل الآتي: كيف يمكن للدول الإسلامية مقاومة الخطر الخارجي الجديد؟

بدت الأزمة، في أول الأمر، كأنها تنفح حجج جماعة «تركيا الفتاة» بقوة جديدة. فقد ثار البلغاريون والبوسنيون، بتأثير من إصلاحات القرن التاسع عشر التي منحت الرعايا المسيحيين حرية دون أن تزودهم بمبدأ الولاء للسلطنة، وتمكنوا من الاستقلال بفضل تلك الحرية وبمساعدة الدول الأجنبية، وخصوصًا روسيا. وقد كان من الضرورة «جمع تلك العناصر حول مبدأ محيٍ ومنعش يشد بها إلى الإمبراطورية، لا بل كان من الضرورة خلق وطن مشترك لهذه الأجناس المختلفة، يجعلها تصم آذانها عن إيحاءات الخارج». وكان من شأن الدستور أن يزودها بمثل هذا المبدأ، إذ أن بالدستور وحده يمكن أن تضمن المساواة في الحقوق والواجبات، و «الاحتراس من جعل المكاسب الممنوحة لجزء من السكان تعاسة وبؤسًا للجزء الآخر» (1). ولكن إذا تعذر على الدستور العثماني، لكونه جديدًا، أن ينعم بما «للدساتير الأوروبية القديمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015