تتسرب إليهم من خلال اللغتين الفرنسية والإنكليزية. وليس من الصدفة أن يهجر بعض الذين سيشتهرون بين الكتاب طوائفهم ويلجؤوا إلى جو الحرية النسبية في الطائفة البروتستانتية الجديدة التي أسسها المرسلون الأمريكان والإنكليز واعترف بها السلطان في 1850، وأن يتخلل كتاباتهم نزعة معادية للإكليروس لا نجد مثيلها لدى معاصريهم المسلمين. أما السؤال الثاني الطارح نفسه عليهم: إلى أي جماعة يمكنهم الانتماء بعد أن طلقوا عالم الأقلية المغلق؟ لقد كانت الإمبراطورية، بالرغم من كل شيء، إمبراطورية إسلامية. لكن المسيحيين كانوا مستعدين أن يؤيدوا بلا تردد الأفكار الداعية إلى تطبيق فعلي للمبادئ المعلنة في 1839 و 1856، وإلى تحويل الإمبراطورية إلى دولة علمانية على غرار دول أوروبا، تتصف بحقوق متساوية لجميع المواطنين وبشعور قومي يوحد بين الجميع، وذلك خلافًا لمعظم المسلمين الذين، عربًا كانوا أم أتراكًا، ترددوا في قبول مثل هذه الأفكار بسبب ولائهم العميق والنهائي للإمبراطورية، درع الإسلام السني. لذلك لم يكن تحول الإمبراطورية، لا بل حتى زوالها من الوجود، ليسبب للمسيحيين أزمة ضميرية. بل بالعكس، جعلت حوادث 1860 في لبنان ودمشق الحاجة إلى التغير أشد إلحاحًا لديهم. نعم، لعل هذه الحوادث قد سممت العلاقات بين الطوائف، غير أنها لقنت بعض المسيحيين على الأقل درسًا آخر، وهو أن الولاء الديني مصدر خطر على الحياة السياسية، وأنه يجب إيجاد قاعدة ما للتعاون بين أبناء الديانات المختلفة.

كان من شأن هذه التيارات الفكرية أن يكون لها أصداء خارج الطوائف المسيحية، بسبب تغير هام حدث في ستينيات القرن التاسع عشر، هو نشوء الصحافة الدورية. فحتى ذلك التاريخ، كانت الصحف الهامة، هي فقط تلك التي كانت تصدر عن الحكومة في القاهرة وإسطنبول وتقتصر، إن لم يكن كليًا، على نشر الأخبار الرسمية. نعم، كانت تصدر أيضًا بعض الصحف بالفرنسية واليونانية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015