والأرمنية، لكن لم يكن هناك بالفعل أي صحيفة عربية، إلى أن أتاح ازدياد عدد المطابع وكتاب العربية وقرائها في الستينيات، فضلًا عن تساهل نظام الحكم النسبي في تركيا ومصر، إنشاء صحف ومجلات خاصة. وبقيت هذه الصحف والمجلات، طوال الثلاثين سنة اللاحقة، في أيدي المسيحيين اللبنانيين بصورة عامة، يصدرونها في بيروت أو القاهرة أو إسطنبول، مما جعل قراء البلدان العربية، طيلة جيل بكامله، يتغذون بأفكار الكتاب والمفكرين الجدد في لبنان.

كان أول كاتب لبناني حظي بالشهرة والنفوذ فارس الشدياق (1804 - 1887)، شقيق المؤرخ طنوس. كانت عائلة الشدياق مارونية من سلالة عريقة زودت أقضية الشمال المارونية بالزعماء، طيلة ثلاثمائة عام، كما زودت المنطقتين الوسطى والجنوبية بالموظفين. وكان والد فارس وطنوس في خدمة الأمراء الشهابيين. وبعد أن عانى منهم بعض الصعوبات، حلت مصيبة جديدة بالعائلة، عندما أمر البطريرك الماروني بسجن أحد أبنائها، أسعد، وبإعدامه، لاعتناقه البروتستنتية يوم كان يشتغل بتدريس المرسلين الأمريكان اللغة العربية. وقد دفعت هذه الأحداث بفارس إلى الضرب في الآفاق. ويبدو أنه هو أيضًا اعتنق البروتستنتية، فأرسله المرسلون الأمريكان أولًا إلى مصر، ثم إلى مالطا، حيث عمل مترجمًا في مطبعة الإرسالية. وفي 1848، سافر إلى إنكلترا للاشتراك في وضع صيغة عربية للعهد الجديد، فصرف بعض الوقت في كمبردج وأكسفورد. ثم ذهب إلى باريس، حيث أقام سنوات عدة. وقد وصف إنكلترا وفرنسا وصفًا كان أقل دقة وعمقًا من وصف الطهطاوي. وفي أثناء إقامته في باريس، وضع كتابًا مسهبًا غريبًا مبتكرًا، هو «الساق على الساق في ما هو الفارياق»، توخى به إثبات تفوق اللغة العربية، وحذا فيه إلى حد ما حذو «رابليه»، فجاء سردًا لسيرة حياته من جهة، ونقدًا اجتماعيًا من جهة أخرى، هاجم فيه بعنف، تضمينًا، البطريركية المارونية التي قتلت أخاه. وفي باريس أيضًا، التقى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015