للتعبير عن الحياة والأفكار في العالم الحديث، كما غدا اهتمامًا بأولئك الذين ينطقون بها ويقرؤونها. فكثير من مسيحي لبنان وسوريا كانوا من أصل عربي، وكان معظم من لم يكونوا منهم من أصل عربي قد اقتبسوا اللغة العربية واقتبسوا معها ثقافة بأسرها. فكانت هذه الثقافة تخصهم بمعنى من المعاني، كما كانت لا تخصهم بمعنى آخر، إذ كانت ثقافة إسلامية بمقدار ما كانت عربية.

أثارت هذه التغيرات أسئلة لدى المسيحيين الناطقين بالضاد. أولها كيف الإفلات من قفص طوائفهم الدينية المغلقة التي كانت لهم بمثابة عالم خاص منذ قرون عديدة؟ ذلك أنهم أخذوا يشعرون، بفضل تربيتهم واعتزازهم بلغتهم، بوجود عالمين خارج الكنيسة: عالم الطائفة الدينية التي كانت سياجًا لهم فأصبحت الآن كأنها حاجز أمامهم، وذلك لأسباب معينة خاصة بكل طائفة. ففي الطائفة المارونية، كان الإكليروس قد لعب دورًا كبيرًا في حوادث السنوات الحرجة بين 1840 و 1860، أن في الصراع بين الفلاحين والمشايخ، أو في الصراع بين المسيحيين والدروز. لكن دورهم هذا لم يحبذه جميع الناس. فنشأ توتر بين الإكليروس والأهالي، كما نشأ توتر أيضًا بين الطبقة العليا من الإكليروس والطبقة الدنيا. أما الأرثوذكس، فكان التوتر قائمًا بين الرؤساء الذين كانوا كلهم تقريبًا من اليونانيين، وبين الكهنة والأهالي الذين كانوا كلهم تقريبًا من العرب. وقد ازداد هذا التوتر حدة عندما انفصل اليونانيون عن الإمبراطورية العثمانية وأصبحوا مستقلين، وبعد أن اشتد عند المسيحيين الناطقين بالضاد الإحساس باللغة العربية. وعلى العموم، كان التوتر لدى المجموعة المسيحية في الإمبراطورية آخذًا في الازدياد بين الرؤساء الدينيين والأهالي، خصوصًا بعد إعلان «خط همايون» في 1856، الذي قضى بأن يكون لكل طائفة دستور يعطي لصوت الأهالي الوزن الذي يستحقه. وقد أعدت هذه الحركات عقول الطلاب المسيحيين لتقبل الأفكار العلمانية التي كانت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015