مذكرة شرح فيها دوافعه، فقال إن هناك طريقتين كي تكون التنظيمات السياسية ذات جدوى: «إحداهما أن يكون تأسيسها من الراعي، وثانيتهما أن تطلبها الرعية»، أو أن يكون في العامة استعداد إلى فهمها وقبولها. والأمران مفقودان في تونس، لذلك كان الدستور «اسمًا بلا مسمى» (60). وعندما أصبح صدرًا أعظم في الإمبراطورية، كان عبد الحميد قد أصدر الدستور العثماني ثم علقه. لكن الإصلاحات التي طالب بها خير الدين لم تستهدف دعوة البرلمان مجددًا للانعقاد ولا إعادة السلطات إليه، بل استهدفت بالأحرى تقوية مركز الوزراء تجاه السلطان. نعم، لقد طالب بعودة مجلس النواب إلى الانعقاد، غير أنه اقترح أيضًا تعديل قانون الانتخاب والنظام الداخلي اللذين كانا في نظره يفسحان المجال لحرية أوسع مما في بلاد أوروبا الأكثر دستورية. أما الإلحاح الرئيسي في مطلبه هذا فكان على المسؤولية الوزارية. كان يرى أن من الضروري قيام وزارة متجانسة تفرض سلطة حقيقية على الموظفين الذين كانوا في ذلك الحين يتصلون مباشرة بالقصر، وأن على السلطان، عندما تتخذ الوزارة قرارًا في الشؤون الهامة المعروضة عليها، إما القبول بهذا القرار، أو إحالته على وزارة جديدة (61). وبالاختصار، لم تكن قضية خير الدين قضية الديمقراطية الحديثة: كيف يحكم الشعب نفسه بنفسه، وإنما كانت بالأحرى قضية الفكر الإسلامي: كيف يجب تقييد سلطة الحاكم؟ وهو يرد على هذه المسألة ردًا تقليديًا، إنما بتعابير جديدة: يجب أن تتقلد وزارة قوية ومسؤولة مهام الوزير الصالح.

كانت القضية التي شغلت الطهطاوي وخير الدين، وإن عبر عنها كل منهما بشكل مختلف، تدور حول هذا السؤال: كيف يمكن للمسلمين أن يصبحوا جزءًا من العالم الحديث، دون أن يتخلوا عن دينهم؟ وبما أنهما تربيا تربية تقليدية قبل اتصالهما الفعلي بالمدنية الفرنسية، وكتبًا لسائر العرب المسلمين الذين لم يتصلوا مثلهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015