تفسيرات مختلفة، وما دام كل قاض ومحكمة يختلفان في تطبيقها، لذلك عين خير الدين لجنة قوامها عدد من علماء المذهبين الحنبلي والمالكي (الأول مذهب الحكومة العثمانية والباي والثاني مذهب الشعب التونسي) وواحد من التجار المسلمين، كانت مهمتها وضع نظام رسمي موحد للشرائع الإسلامية تستمده من الشرائع الحنفية والمالكية، ومن القوانين الحديثة المرعية الإجراء في الإمبراطورية العثمانية ومصر، ومن عادات البلاد. غير أن شيئًا من ذلك لم يحصل، إذ انحلت اللجنة لدى مغادرته رئاسة الوزارة (58).
يمكن استخدام مبدأ المصلحة على وجهين: إما لتبرير التجدد في المؤسسات عندما تكون الظروف مؤاتيه، وإما لمقاومة التجدد في الظروف المعاكسة. لقد ساعد خير الدين على وضع الدستور التونسي، وحاول إنجاح العمل به، إلا أنه كان يشك في إمكان إدخال مؤسسات برلمانية حقيقية في جسم الإمبراطورية كلها. فهو يقول إن هنالك من أخذ يطالب، مؤخرًا، بمجلس منتخب (كان يقصد حتمًا جماعة «تركيا الفتاة»)، لكنه، على تحبيذه لذلك مبدئيًا، رأى فيه خطرًا من الوجهة العملية. فدوافع المسلمين العثمانيين المطالبين به كانت ولا شك سليمة، ولكن هل كانوا متأكدين من نوايا الآخرين (يقصد ضمنًا هنا العثمانيين المسيحيين) المشتركين معهم؟ فالغاية الحقيقية لدى هؤلاء إنما كانت الانعتاق من سلطة الدولة العثمانية، الأمر الذي كانوا يشجعون عليه من الخارج. نعم، إن الحرية السياسية تستلزم حقوقًا متساوية، لكن كيف يمكن أن يكون هناك حقوق متساوية للجميع، إن لم يكن الجميع موالين للإمبراطورية؟ لذلك، فإن ما يحول دون منح الحرية السياسية إنما هو خصوصًا تنوع عناصر الإمبراطورية (59).
بقي خير الدين على حذره حتى أواخر أيامه. وقد انتقده الكثيرون، عندما أصبح رئيسًا لوزراء تونس في السبعينيات، لعدم قيامه بأي مسعى من أجل إعادة الحياة الدستورية. لكنه أجاب منتقديه