من جهة، محالفة مبادئ الشرع الصريحة، ومن جهة أخرى، مخالفة ما يمكن استنتاجه شرعيًا منها، وبأن لا شيء يلزمها أن تقتصر على القيام إلا بما يأمر به الشرع. إذ كل ما تأتيه ابتغاءً للخير هو، بالواقع. موافق للشرع، حتى لو لم يوص به النبي ولا أوحي به روح الله.
لكن الظروف تتغير، فيتغير معها ما هو مفيد وضروري للمجتمع. لذلك يرى خير الدين أنه من الواجب أن تتغير أيضًا الشرائع والسياسات، وأن يتفق عليها العلماء ورجال الأعمال فيما بينهم، فيقترح رجال الأعمال ما هو ضروري لمصالح الجماعة ويقرر العلماء إذا كان الأمر المقترح يتفق ومبادئ الشريعة. لذلك كان أول شرط للإصلاح السليم اتفاق العلماء ورجال الدولة. لكن هذا يقتضي أن يكون العلماء على اتصال بروح العصر، كي يكون لمشورتهم وزن. فإذا كانوا بعيدين جدًا عن الحياة السياسية، بقي رجال الأعمال أحرارًا في إتباع أهوائهم وميولهم.
لذلك فإن من أهم واجبات العلماء أن يطلعوا، باتصالهم برجال السياسة. على وقائع الأمور، إذ على اطلاعهم هذا يتوقف تطبيقهم للشريعة. فتطبيق الشريعة لا يقتضي معرفة النصوص فحسب، بل معرفة الظروف التي على ضوئها يجب تطبيق النصوص (57).
لقد فكر خير الدين مرة، بصورة جدية، في تطبيق هذا المبدأ لإنشاء نظام حديث وموحد للشرائع الإسلامية. فصديقه ومعاونه محمد بيرم يروي عنه أنه وضع مشروعًا لهذه الغاية عندما كان رئيسًا للوزراء. وقد برر خير الدين هذا المشروع بقوله إن هناك جالية كبيرة من التجار الأوروبيين في تونس، يشكلون عنصرًا غريبًا في صلب الأمة يستحيل امتصاصه، كما يشكلون خطرًا عليها ناجمًا عن استخدام الحكومات الأوروبية لهم سياسيًا. وهم سيظلون يشكلون مثل هذا الخطر إلى أن تشملهم أحكام قوانين البلاد، أي الشريعة. وبما أن خضوعهم لسلطة الشريعة غير متوقع ما دامت لها