تحت تأثير وسائل النقل الحديثة، كقناة السويس والخط الحديدي الأميركي القاري. ولكنه يذكر أيضًا شركات كبرى أخرى، كبنك فرنسا وشركة الهند الشرقية التي أقامت إمبراطورية، كما يذكر المعارض الكبرى، بجوائزها للمخترعين. ولا يفوته أخيرًا أن المعرفة لا تنتشر بدون حرية، فينوه بأن المكاتب والجمعيات العلمية، مثلًا، قد تكاثرت في فرنسا منذ الثورة (52).

وكان شيء ما من أوروبا الحديثة قد دخل الإمبراطورية العثمانية مع «التنظيمات» التي وافق خير الدين عليها إجمالًا، ودافع عنها بإسهاب ضد مقاوميها. فقال بأن المقاومة ضدها متأتية خصوصًا من جانب المصالح التي تستغل الرأي العام، ومن بعض المصالح الأجنبية التي لا تريد للإمبراطورية أن تصطلح. وقد تنبه لعامل لم يكن قد فعل فعله في مصر على أيام الطهطاوي، أعني عامل الضغط والتدخل الأوروبي، فرأى أن الإصلاح محال ما دامت بعض الحكومات الأوروبية ترفض السماح لمواطنيها بالرضوخ للقانون العثماني، وما ذلك إلا لأن بعضها على الأقل لا يريد للإمبراطورية أن تستعيد قوتها. لكنه يعترف بوجود من كانوا يقاومون «التنظيمات» عن إخلاص، مدفوعين بعامل سوء فهم حقيقي لطبيعتها ونتائجها. فمنهم من كان يعتقد أن الإصلاحات ستؤدي إلى فرض ضرائب جديدة لدفع رواتب عدد أكبر من الموظفين، بينما الحقيقة هي بخلاف ذلك. فالحكم الجائر هو الذي يزيد الضرائب، لا المجتمع الحر، حيث الشعب هو الذي يقرر بنفسه الضرائب التي يريد دفعها. ومنهم من كان يشكو من ضياع الوقت وهدر الحقوق، بعد أن حلت المحاكم الجديدة، بقواعدها الإجرائية المعقدة محل الطريقة القديمة في التقاضي السريع أمام الباشا. فيطمئن خير الدين هؤلاء بقوله إن هذا الأمر مؤقت فقط، ريثما يتم تدريب موظفين جدد مشبعين بروح الخدمة العامة الصحيحة (53). على أن بين الذين قاوموا «التنظيمات» جماعة رأت أن المؤسسات الحديدة مخالفة للإسلام. وهنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015