لإبقاء السلطان في الطريق السوي. وقد أصبح مقبولًا على عهدهم حق حراس الشريعة حتى في خلع السلطان متى شذ عن سواء السبيل (50). ثم انحطت الإمبراطورية العثمانية، هي أيضًا، فيما بعد، بسبب اختيار وزراء السوء، وفساد الإنكشارية، فكانت النتيجة أن انحلت روابط الولاء: فتصرف حكام الولايات البعيدة على هواهم، والتمس المسيحيون الحماية من الأجانب، وأخذت الدول الكبرى تتدخل، وراحت الولايات تنفصل الواحدة تلو الأخرى.

إلى هنا، كان بوسع أي كاتب عثماني من كتاب عهد الانحطاط أن يقوم بمثل هذا التحليل. وهو تحليل مؤيد بالاستشهادات والمراجع، مما يدل على أن المؤلف كان واسع الاطلاع على العلوم التقليدية. فهو يستشهد، فضلًا عن القرآن والحديث، بابن خلدون والغزالي وابن العربي والماوردي. غير أننا نعثر أيضًا على مراجع من نوع آخر: تيار ومونتسكيو وبوليبيوس، «مترجم جون ستوارت ميل»، ورحلة الطهطاوي الباريزية التي استند إليها بنوع خاص لاستنباط درس جديد، هو أنه لا يمكن للأمة أن تستعيد قوتها إلا إذا عرفت مكامن قوة أوروبا وتبنتها. لكن ما الذي يجب أن نعرفه بالضبط عن قوة أوروبا؟ كان ما يهم خير الدين، قبل كل شيء، وهو الجندي ورجل الدولة، القوة العسكرية والقوة الاقتصادية. إلا أنه كان يعلم أن القوة إنما هي من نتاج شيء آخر، فالقوة المادية تتوقف على التربية، والتربية تتوقف بدورها على المؤسسات السياسية، وما أساس قوة أوروبا وازدهارها سوى «المؤسسات السياسية القائمة على العدل والحرية» (51)، وبتعبير آخر، الوزراء والبرلمانات المسؤولة. فالازدهار المادي غير ممكن، إذن، بدون حرية نقل البضائع وتنقل الناس من مكان إلى آخر وبدون تلك الشراكة الاقتصادية الحرة التي إليها يعود الفضل في تحقيق منجزات أوروبا المادية. إن خير الدين يرسم تقدم أوروبا بريشة معجب. وهو، كالطهطاوي، قد وقع، بنوع خاص،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015