السياسية» و «الوجدان العام» لا بمعناها الخاص. وبذلك كان بعيدًا جدًا عن روح «القومية الحديثة» التي تعتبر كل أمة فريدة بحد ذاتها. فما يقوله عن الأمة ينطبق على جميع الدول الإسلامية. لكنه كان يفكر، من بين جميع الدول الإسلامية. بأعظمها فقط: السلطنة العثمانية، «مركز الخلافة» (47). ثم إن تساؤله عن السلطة لم يكن سوى التساؤل التقليدي ذاته: ما الذي يضمن ممارسة السلطة بعدل، عندما تكون في يد حاكم أوتوقراطي؟ إن العدل، في نظره، هو الأساس السليم الوحيد للدولة، وما ضمانته الوحيدة، في الظروف العادية، سوى تقييد سلطة الحاكم. نعم، قد يوجد حاكم يعمل باستقامة بدافع من طبيعة خيرة فيه، وعلى ضوء معرفة بعقله. غير أن أمثاله قلائل، كما أن متابعتهم السير في هذا السبيل أمر مشكوك فيه. لذلك، وعلى العموم، يجب تقييد سلطة الحاكم على وجهين: أولًا، بالشريعة، منزلة كانت أم طبيعية (القانون العقلي)، وثانيًا، بالمشورة. أما الذين يجب على الحاكم استشارتهم فهم العلماء والأعيان. وهؤلاء يجب أن يكون بوسعهم مصارحته بحرية، وهديه إلى الصراط المستقيم، وردعه عن عمل السوء. وفيما عدا الحالات التي يتولى السلطة فيها عرضًا حاكم مستقيم بالفطرة. فإن الدولة الفضلى هي التي يتوفر فيها هذان النوعان من القيود. والتي يضمن شرائعها أولئك المؤهلون لتفسيرها. ومثالًا على ذلك يورد خير الدين الأمة الإسلامية. فقد ازدهرت في عهدها الأول وكانت قوية وعلى درجة رفيعة من التمدن بسبب احترامها للشريعة (48). (ويستشهد خير الدين على طريقة الكتاب المتأخرين بكتاب أوروبيين حديثين هما فكتور دوري وعمانويل ساديللو لإثبات عظمة المدنية الإسلامية) (49). وبعد هذا العصر دب الانحطاط فيها. ثم تبعته فترة قصيرة استقامت فيها الأمور على عهد العثمانيين الأول الذين نفحوا العالم الإسلامي بقوة جديدة ورمموا أسس ازدهاره. وذلك بإظهار الاحترام الواجب للشريعة وبالاستعانة بالعلماء والوزراء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015