الرواة عنه فالحظ الذي حصل لمالك لم يحصل لغيره قط, روى عنه ما ينيف عن ألف وثلاثمائة من أعلام الأقطار الإسلامية من الحجاز والعراق وخراسان والشام ومصر وأفريقية والأندلس، والذين تقدَّمت أسماء بلدانهم رواة حديثه، وروى عنه سواهم كثير، أما رواة الفقه عنه كابن القاسم1، ونافع، وابن وهب2، وغيرهم، فهم أيضًا كثير، ويأتي بعض تراجمهم.
وروى الحديث عنه من الأئمة أعلام من أشياخه احتاجوا إليه؛ كالإمام الزهري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن الملقب بربيعة الرأي، وموسى ابن عقبة إمام المغازي، ويحيى الأنصار، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، ويحيى بن سيدروس.
وروى عنه من مات قبله من العلماء كابن جريح3، وشعبة4، والثوري، وخلق، وروى عنه من أرباب المذاهب المدونة أبو حنيفة، والثوري5، والأوزاعي6، وابن عيينة7، والليث، والشافعي، ومن الخلفاء أمير المؤمنين المنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، وقد روي عنه أنه قال: ما جلست للفتيا حتى أذن لي في ذلك سبعون من أهل العلم.
وقد زاد شهرة بكتابه الموطا، وتقدَّم لنا وصفه وفضيلته في تدوين الفقه، كان من أشد الناس تركًا لشذوذ العلم, وأشدهم انتقادًا للرجال, وأقلهم تكلفًا, وأتقنهم حفظًا، عارفًا بتفسير الغريب من الحديث, وهو أول من فتح بابه كما قال عياض في المدارك، ففتح بموطأه الباب للمؤلفين من علماء الإسلام, وعلَّمَهم كيفية التأليف والتصنيف وحسن التبويب, فاستحسن طريقه كل من أتى بعده ليومنا هذا فلسكوه ففاتهم بالتقدم.
فهو إمام كل مؤلف, وقدرة كل مصنف, وإن ألّف غيره قبله, لكن لم يقعوا على ما وقع عليه, ولا تنبهوا إلى ما ألتفت إليه، فصار العلماء المؤلفون له أتباعًا