فقال: دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم, ثم ينتقم من كليهما. فكانت هذه الفتوى من أسباب محنته. "انظر أول تاريخ ابن أبي الضياف التونسي"1, ومن كلماته الدالة على تمسكه بالسنة قوله: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد -صلى الله عليه وسلم- لجدله. نقله الذهبي في كتاب العلوم.

ومع ما بلغه مالك من بعد الصيت والذكر ولا سيما بعد محنته, فما ملك دارًا يسكنها, بل مات في بيت بالكراء مع بسط الدنيا عليه في آخر حياته بالهدايا والصلات والتجارة -رحمه الله.

قال الواقدي: كان مجلس مالك مجلس وقار وحلم، وكان رجلًا نبيهًا نبيلًا, ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع الصوت، إذا سُئِلَ عن شيء فأجاب سائله, لم يقل: من أين رأيت هذا، وأخرج الخطيب أن شاعرًا دخل على مالك فمدحه بقوله:

يدع الجواب لا يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان

أدب الوقار وعزُّ سلطان التقى ... فهو المطاع وليس ذا سلطان

وكان مالك من أتباع التابعين، إذ لم يلق صحابيًّا على الصحيح، وعدَّه ابن سعد في الطبقة السادسة من التابعين، قالوا: إنه لقي عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، والصحيح أنها ليست صحابية؛ لأن التي أدرك مالك هي الصغرى التابعية، وأما عائشة بنت سعد التي قال فيها أبوها للنبي -صلى الله عليه وسلم: لا يرثني غير ابنتي, فهي الكبرى, لم يدركها مالك ولا أهل طبقته، وقد روى عن أبي الزناد2، ونافع، وسالم بن عبد الله بن عمر، وزيد بن أسلم، وهشام بن عروة، وابن المنكدر4، والزهري5، وخلق كثير من التابعين وأتباعهم، أما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015