الأُسس التي ينبغي أن تنهض عليها علاقة الإمام بالأُمة:

ليس الإمام ـ بعد أن علمت أهم أحكام الإمامة وشروطها ـ أكثر من خليفة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حراسة أحكام الله تعالى عن أن تضيع أو تبدل، وفي الإشراف على سلامة تنفيذها، ولا ريب أن سلامة تنفيذ هذه الأحكام هي الضمانة لانتشار الأمن والطمأنينة، وأسباب الخير والسعادة في أفراد الأمة. ولذلك:

1 - فالإمام إذاً، لا يتمتع بأي سلطة تشريعية، إذ إن سلطة التشريع خصيصة محصورة في ذات الله عز وجل، وحتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس إلا مبلغاً عن حكم الله تعالى، فإذا اجتهد في حكم وقضي به فإن المعول في نفاذه ومشروعيته على إقرار الله له عن طريق الوحي.

2 - ومن ثم فإن الإمام لا يتمتع ـ بسبب كونه إماماً ـ بأي امتيازات يعلو بها على بقية الناس في نطاق الأحكام الشرعية المختلفة، من قضاء وعقود وعقوبات وغيرها.

فشهادته مثلاً، لا تعلو في قيمتها القضائية عن شهادة غيره، لا في العدد ولا في الأهمية المعنوية. بل ليس له ـ وهو حاكم ـ أن يحكم بين أحد من الناس بموجب علمه فيه، أي لا يجوز أن يكون حاكماً وشاهداً بآنٍ واحد. بل هو إما حاكم، فلا قيمة لشهادته، وإنما يستند في حكمه إلي شهادة الشهود الصالحين، وإما شاهد، فينبغي عندئذ أن يتخلي عن حاكميته، ويقف شاهداً في الموضوع أمام حاكم آخر يُنيبه عنه.

وقد ترافع اثنان إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء خلافته، فقال له المدعى: إن هذا ظلمني (وذكر له ظلامته) ثم قال: وأنت يا أمير المؤمنين أعرف الناس بذلك. فقال له عمر رضي الله عنه: إن شئت قضيت بينكما ولا اشهد، وإن شئت شهدت لك، ولا أقضي.

وليس له من منصبه الذي يتمتع به ما ينجيه من أي حد، أو قصاص، أو عقوبة يستوجبها بفعل صدر منه، أو ما يخفف عنه من العقوبة التي استحقها كغيره، لأمر ما صدر عنه.

ويقدر له من الأجر على قيامه بالمهام التي وكلت إليه، ما يقرره مجلس الشورى بالعرف، وحسب ما تقتضيه متطلبات الحياة الكريمة المشروعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015