منعقدة بالبيعة أو العهد، لم تنعقد إمامة هذا الثاني عندئذ بالاستيلاء والغلبة، مهما تغلب على خصمه، أو استتب له الأمر، وعليه يحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ". (رواه مسلم [1853] في الإمارة، باب: إذا بويع لخليفتين، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه).
وروي عرفجة بن شريح رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ". (أخرجه مسلم [1853] في الإمارة، باب: حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع).
قلنا فيما سبق: إن البيعة هي الطريقة الأولي لانعقاد الإمامة، والبيعة: هي العقد الذي يكون بين الخليفة وعامة الناس، ولا يكون هذا إلا بعد شوري أهل الحل والعقد، وأن يقع الاختيار على من استكمل صفات الإمامة تحقيقاً، وذلك لقوله عز وجل: {وأمرهم شوري بينهم} (سورة الشورى: 38).
وقد كان الناس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل أحدهم في الإسلام، مد يده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعه على السمع والطاعة بوصفة نبياً، وبوصفه حاكماً، ولعلك تذكر من ذلك بيعة العقبة الأولي والثانية في مكة، وبيعة آحاد الصحابة رضي الله عنهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - عند دخولهم في الإسلام. ومن هذا قول عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: (بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثره علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم). (رواه البخاري [6774] في الأحكام، باب: كيف يبايع الإمام الناس، ومسلم [1709] في الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، ومالك في الموطأ [2/ 445، 446] في الجهاد، باب: الترغيب في الجهاد، والنسائي [7/ 138، 137] في البيعة باب: البيعة على السمع والطاعة، وابن ماجه [2866] في الجهاد، باب: البيعة).
[المنشط: الأمر الذي ننشط له، ونخف إليه، ونؤثر فعله. المكره: الأمر الذي نكرهه، ونتثاقل عنه. أثره علينا: الأثرة: الاستئثار بالشيء، والانفراد به،