فقال ابو رافع: لقد اعطيت بها خمسمائة دينار، ولوا اني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الجار أحق بسبقه" ما اعطيتكها بأربعة آلاف، وأنا اعطي بها خمسمائة دينار. فأعطاها إياه. (البخاري: الشفعة، باب: عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، رقم: 2139).

[منجمة: مؤجلة ومفرقة تعطى جزءا بعد جزء. اربعة آلاف: أي درهم، وكانت تساوي اربعمائة دينار. بسبقه: ما قرب من داره].

وهكذا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسم الطريق واضحا لحفظ الود والوئام بين الناس، ويوجه الى أمثل خلق في التعامل، ونجد اصحابه - رضوان الله تعالى عليهم اجمعين - يلتزمون هديه فلا يحيدون عنه، ولو كان في ذلك خسارة مادية ظاهرة، فيأبون إلا ان يقولوا: سمعنا واطعنا.

فإذا ما خالف المرء ما وجه اليه، ولم ينظر في مصلحة غيره ولم يبادر الى استشارة شركائه، فباع الى اجنبي عنهم، بادر الشرع لدفع ما قد يكون من خطر وما قد يقع من ضرر، فانتقل من التوجيه الى التشريع، فجعل الحق لهؤلاء الشركاء: ان يتملكوا حصة شريكهم رغما عن المالك الجديد لها، بمثل ما قامت عليه من ثمن. وبهذا تحقق مصالح الجميع، وتلبي حاجات الناس، ويندفع الضرر عنهم، وتتلاشى اسباب البغضاء والشحناء، ويكون المسلمون مثل الجسد الواحد في الوئام والوفاق وكالبنيان في التماسك والتعاون والإحسان.

أركان الشفعة:

للشفعة اركان نبينها فيما يلي:

1 - الشفيع (أي الذي له حق الشفعة):

علمنا من حكمة التشريع ان الشفعة شرعت لدفع الضرر المتوقع، وهذا المعنى قد يكون في الشريك، وقد يكون في غيره كالجار الملاصق مثلا، ولكن الشرع خصه في الشريك الذي لم يقاسم، وهو الذي يشترك مع غيره في الأصل وملحقاته، كأن يكون شريكا في الدار - مثلا - ومرافقها وطريقها، او في الأرض وحق شربها وحظائرها ونحو ذلك، كما صرح به الحديث: "في كل ما لم يقسم".

وصاحب الحق هذا يسمى: الشفيع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015