فإذا قسمت الدار او الأرض، واصبح كل من الشركاء مستقلا بنصيبه، فباع احدهم ما يملكه لأجنبي، أي غير واحد من الشركاء السابقين، فليس لهم ان يأخذوا هذا النصيب بحق الشفعة، حتى ولو كانت المرافق - كالممر وحق الشرب ونحو ذلك - مشتركة، لما جاء في الحديث: "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" وهؤلاء المستقلون بحصصهم، والمشتركون بالمرافق، يسمى كل منهم بالشريك المخالط.

واذا لم تثبت الشفعة للشريك المخالط فلا تثبت للجار الملاصق وغيره من باب أولى. ولم تثبت الشفعة لغير الشريك الذي لم يقاسم - مع ان المعنى الذي شرعت من اجله، وهو دفع الضرر المتوقع، قد يوجد في غيره - لأنها شرعت كما علمت على خلاف الأصل، اذ الأصل ان لا يتملك احد شيئا قهرا عمن ملكه، وقد علمت ان الشفيع يتملك الحصة قهرا عن المشترى الذي ملكها بالشراء من الشريك القديم الشفيع.

والمراد بالأصل هنا: المعنى الذي يراعيه التشريع في غالب احكامه، وهو الذي يسميه العلماء: علة الحكم، وقد يطلقون عليه كلمة: القياس.

والقاعدة في التشريع الاسلامي: ان كل ما ثبت على خلاف الأصل يقتصر فيه على ما ورد بالنص، ولا يلحق به غيره، وقد يعبرون عن هذا بقولهم: ما ثبت على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس. وقد ورد النص الصحيح الصريح هنا بثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم، فلا يلحق به غيره من شريك مقاسم اوجار ولا يقاس عليه. وما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم: "الجار احق بسبقه" ليس صريحا في ثبوت حق الشفعة، انما هو من باب الحث على تحصيل النفع للجار وانه اولى بالإحسان من غيره. على ان كلمة الجار عامة في اللغة، فتشمل الشريك وغيره. والأولى تفسيرها في الحديث بالشريك الذي ذكرناه، لأن ابا رافع رضى الله عنه اورده بهذا المعنى حين طلب من شريكه ان يشتري بيتيه - أي غرفتيه - اللتين في داره، وواضح ان الدار لم تكن مقسومة، والله تعالى اعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015