يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ) . وَقَالَ عَلِيٌّ: (أَجْمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: أَنْ لَا يُبَعْنَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ، ثُمَّ رَأَيْت أَنْ أُرِقَّهُنَّ) ، فَأَخْبَرَ عَنْ رَأْيِهِ، وَرَأْيِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ، لِأَنَّ التَّوْقِيفَ لَا يَكُونُ رَأْيًا.

وَمِنْهَا أَيْضًا اخْتِلَافُهُمْ: فِي الْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَفِي تَفْضِيلِ أُرُوشِ الْأَصَابِعِ، وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَرَى التَّسْوِيَةَ فِي الْعَطَاءِ، وَكَانَ عُمَرُ يَرَى التَّفْضِيلَ. وَكَانَ عَلِيٌّ يَرَى التَّسْوِيَةَ. وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي طَرِيقُهَا اجْتِهَادُ الرَّأْيِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَمِلَهُ هَذَا الْكِتَابُ، وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى ذِي مَعْرِفَةٍ. وَأَجْمَعُوا عَلَى عَقْدِ الْبَيْعَةِ لِأَبِي بَكْرٍ بِآرَائِهِمْ، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْهُمْ نَصًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مُعْظَمُ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَدُنْيَاهُمْ. وَلَمَّا قَالَتْ الْأَنْصَارُ: (مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ) وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ لَمَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى جَوَازِ الشُّورَى، لِأَنَّ الشُّورَى لَا تَجُوزُ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ نَصٌّ مِنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ فِي الْإِمَامَةِ، وَأَنَّهُ وَكَلَهُمْ إلَى اجْتِهَادِهِمْ فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ لِمَنْ يَرَوْنَهُ أَهْلًا لَهَا، وَصَلَاحًا لِلْكَافَّةِ، وَعَلِمْنَا حِينَ عَقَدُوهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015