مِنَّا الْقَوْلُ فِيهِ. وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ (حُجَّةٌ) بِمَا قَدَّمْنَا عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ وَالرُّجُوعِ إلَى النَّظَرِ وَالْمَقَايِيسِ، فِي (اسْتِدْرَاكِ حُكْمِهَا) .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمِنْ أَيْنَ لَك أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ؟ قِيلَ لَهُ: هُوَ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مَنْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ، وَطَرِيقَتِهِمْ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْجَدِّ، فَقَالُوا فِيهِ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُشَرَّكَةِ، فَلَمْ يَرَ عُمَرُ التَّشْرِيكَ أَوْلَى، فَقَالَ لَهُ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ: هَبْ (أَنَّ) أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَيْسَ أُمُّنَا أُمَّ الَّذِينَ وَرَّثَتْهُمْ؟ فَتَرَكَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ، وَرَأَى التَّشْرِيكَ حِينَ قَايَسُوهُ. فَقِيلَ لَهُ: لَمْ تُشَرِّكْ بَيْنَهُمْ الْعَامَ الْأَوَّلَ، وَشَرَّكْتَ الْعَامَ. فَقَالَ: (ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذَا عَلَى مَا قَضَيْنَا) . وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَرَامِ عَلَى أَقَاوِيلَ مُخْتَلِفَةٍ: جَعَلَهَا بَعْضُهُمْ رَجْعِيًّا، وَبَعْضُهُمْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَبَعْضُهُمْ ثَلَاثًا، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ يَمِينًا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَتَّةِ وَالْبَائِنِ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ. وَفِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، وَفِي الْكَلَالَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: (أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي) . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا: (أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ