بِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَقِيلَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمٌ، فَنَادَى بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ.» فَأُقِرَّتْ فِي تَأْذِينِ الْفَجْرِ، وَكَانَ قَوْلُ بِلَالٍ ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ. وَمِنْهُ مَا رُوِيَ: أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا الَّذِي أَحْدَثْتُمْ؟ فَقَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّنَاءَ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: إنَّا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» وَكَانَ الْقَوْمُ أَحْدَثُوا الِاسْتِنْجَاءَ بِآرَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ عَلِمُوا جَوَازَ الِاجْتِهَادِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، لَمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ مَا رَوَى الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ «مُعَاذٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، قَالَ: كَيْفَ تَقْضِي؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُحِبُّهُ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَأَجَازَ لَهُ الِاجْتِهَادَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُولِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ. قِيلَ لَهُ: لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ إضَافَتَهُ ذَلِكَ إلَى رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ تُوجِبُ