وَلَا يَصِحُّ بِهِ عِلْمَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي إنْزَالِهِ عَلَى حَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، كَمَا يَصِحُّ ظَنَّانِ مُوجِبَانِ لَهُ حُكْمَ مُخْتَلِفَيْنِ، لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ (الْوَاحِدِ) حَقِيقَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَعِلْمَانِ بِعِلْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. ثُمَّ يُقْلَبُ هَذَا السُّؤَالُ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: خَبِّرْنَا عَنْ الظُّهْرِ أَهِيَ أَرْبَعٌ؟ وَعَنْ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ؟ وَعَنْ النِّسَاءِ هَلْ عَلَيْهِنَّ صَلَاةٌ؟ .
فَإِنْ قَالَ: لَا. خَرَجَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ. وَإِنْ قَالَ: نَعَمْ. أَخْطَأَ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْجَمِيعِ.
فَإِنْ قَالَ: (لَا) يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ بِالْإِضَافَةِ وَالتَّقْيِيدِ، فَيُقَالُ: إنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ عَلَى الْمُقِيمِ، وَرَكْعَتَانِ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَالْإِفْطَارُ مُبَاحٌ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، مَحْظُورٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ، وَالطَّاهِرُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَيْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ فَرْضُهَا.
وَإِذَا كَانَتْ (هَذِهِ) الْفُرُوضُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا خَالَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ جِهَةِ النَّصِّ بَيْنَ (أَنَّ) أَحْكَامَ الْمُكَلَّفِينَ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، إلَّا بِتَقْيِيدٍ وَإِضَافَةٍ وَشَرْطٍ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي قَدَّمْنَا.
وَلَمْ يَلْزَمْك عَلَى هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الظُّنُونِ وَالْجَاحِدِينَ لِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مُعْتَقِدِيهَا. فَمَا أَنْكَرْت مِنْ مِثْلِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي بَيَّنَّا. فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ تَخْلُو هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ حَرَامًا، أَوْ حَلَالًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قِيلَ لَهُ: الَّذِي يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَا عَلِمْنَاهُ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِينَ، وَمَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ هُوَ حُكْمُهُ عَلَيْنَا بِهِ.