فَإِنْ قَالَ: فَإِذَا اعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْحَظْرَ، وَبَعْضُهُمْ الْإِبَاحَةَ، فَقَدْ صَارَ مَحْظُورًا مُبَاحًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ. قِيلَ لَهُ: لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَلَا بِأَنَّهُ مُبَاحٌ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْحَظْرَ وَالْإِبَاحَةَ تَعَلَّقَا بِهِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا مُحَالٌ، وَلَكِنْ يُقَالُ بِتَقْيِيدٍ وَشَرْطٍ: إنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَى هَذَا، وَمُبَاحٌ لِهَذَا، عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيه اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَمَا نَقُولُ: فَرْضُ الظُّهْرِ عَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعٌ، وَعَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ. فَإِنْ قَالَ: إنْ قَالَ الْأَوَّلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَكَانَ مُجْتَهِدًا نَاظِرًا، أَوْ مُسْتَفْتِيًا مُسْتَرْشِدًا، فَاسْتَقَرَّ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ، فَاخْتَارَ الْمُسْتَفْتِي قَبُولَ فُتْيَا مَنْ رَآهُ طَلَاقًا، مَتَى تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً، حِينَ قَالَ الْقَوْلَ، أَوْ حِينَ اسْتَقَرَّ (عِنْدَهُ) حُكْمُ الطَّلَاقِ؟ قِيلَ: إنَّمَا نَحْكُمُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا وَقْتَ فُصِّلَ مِنْ قَائِلِهِ، فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ، مِنْ اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ مِنْ يَوْمَئِذٍ، وَمِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ، وَقَطْعِ التَّوَارُثِ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَلْزَمَهُ فِي الْمَاضِي مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ يَوْمَ الْقَوْلِ؟ قِيلَ لَهُ: لِأَنَّ أَمْرَهُ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِهِ، فَيَكُونُ لَازِمًا لَهُ يَوْمَ الْقَوْلِ. وَلَسْنَا نَقُولُ: إنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ يَوْمئِذٍ بِهَذَا الْقَوْلِ شَيْءٌ، بَلْ نَقُولُ: " إنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْقَوْلِ عَلَى (الشَّرْطِ) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْأُصُولِ. مِنْهَا: الرَّجُلُ يَجْرَحُ الرَّجُلَ فَيَكُونُ حُكْمُ جِرَاحِهِ مَوْقُوفًا عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ، فَإِنْ آلَتْ إلَى النَّفْسِ حَصَلَ لَهُ (الْقَتْلُ الْآنَ بِالْجِرَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. أَلَا تَرَى: أَنَّ الْجَارِحَ لَوْ مَاتَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ كَانَ) حُكْمُ الْقَتْلِ ثَابِتًا عَلَى الْجَارِحِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا يَوْمَ صَارَتْ الْجِرَاحَةُ نَفْسًا.