سُؤَالٌ: إنْ قَالَ قَائِلٌ: هَلْ يَخْلُو الْقَائِلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، أَوْ لَيْسَ بِطَلَاقٍ؟ فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ طَلَاقًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَقَعَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ سَاقِطًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ طَلَاقًا فَكَيْفَ يَصِيرُ طَلَاقًا بِالِاجْتِهَادِ؟ . الْجَوَابُ: إنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَيْسَ طَلَاقًا فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ طَلَاقًا بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا الْقَوْلِ؟ قِيلَ لَهُ: لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ فِيهِ بِحُكْمٍ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيهِ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. فَمَنْ غَلَبَ فِي ظَنِّهِ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَكَمَ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ، وَمَنْ غَلَبَ فِي رَأْيِهِ غَيْرُ ذَلِكَ كَانَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ مَا غَلَبَ فِي رَأْيِهِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا، لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُ الْقَوْلِ فِيهِ: بِأَنَّهُ طَلَاقٌ إلَّا عَلَى التَّقْيِيدِ وَالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْنَا. فَإِنْ قَالَ: قَدْ أَعْطَيْتُمْ الْقَوْلَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ فِي نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ الطَّلَاقِ بِلَفْظٍ لَيْسَ بِطَلَاقٍ؟ قِيلَ لَهُ: جَائِزٌ وُرُودُ الْعِبَارَةِ بِإِلْزَامِ الطَّلَاقِ بِمَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ فِي نَفْسِهِ. أَلَا تَرَى: أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَحْكُمَ اللَّهُ تَعَالَى، بِأَنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ طَلُقَتْ مِنْهُ، أَوْ بِأَنَّ مَنْ كَذَبَ كَذْبَةً طَلُقَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ. وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَنَا بِأَنَّ فُرْقَةَ اللِّعَانِ طَلَاقٌ، فَلَيْسَ اللِّعَانُ طَلَاقًا فِي نَفْسِهِ، وَفُرْقَةُ الْمَجْبُوبِ طَلَاقٌ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَفْظٌ مِنْ الزَّوْجِ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ. فَإِنْ قَالَ: حُكْمُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ عِنْدَكُمْ أَمُبَاحَةٌ هِيَ أَمْ مَحْظُورَةٌ؟ قِيلَ: إنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِاجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي قَدَّمْنَا، (فَلَا نُطْلِقُ الْقَوْلَ: بِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ أَوْ مَحْظُورَةٌ، إلَّا عَلَى الشَّرِيطَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا) .