يَكُونُوا يَجْتَهِدُونَ فِي اسْتِخْرَاجِ عِلَلِ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ لِغَيْرِهَا إلَيْهَا. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ، وَلَتَكَلَّمُوا فِيهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَلِ النُّصُوصِ، وَإِنْ لَمْ يَقِيسُوا بِهَا، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي عِلَلِ الْقِيَاسِ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ وَأَقَاوِيلُهُمْ فِي أَعْيَانِ الْمَسَائِلِ، وَوُجُوهِ اسْتِخْرَاجَاتهمْ. فَدَلَّ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَفْعَلُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِي اعْتِبَارِهِ فَائِدَةٌ وَلَا مَعْنًى.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعِلَلَ إنَّمَا تُسْتَخْرَجُ (لَأَغْيَارِ الْأَصْلِ) . فَأَمَّا الْأَصْلُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الْعِلَّةُ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِنَفْسِهِ.
أَلَا تَرَى: أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْمَسْأَلَةِ جَمِيعَ أَوْصَافِهَا؛ لِأَنَّهَا (لَا) تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا. فَكَذَلِكَ (غَيْرُ) جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهَا بَعْضَ أَوْصَافِهَا الَّذِي لَا تَتَعَدَّى (بِهِ) .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَكِيمِ وَالسَّفِيهِ: أَنَّ الْحَكِيمَ تَتَعَلَّقُ أَفْعَالُهُ بِأَغْرَاضٍ مَحْمُودَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَحْكَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَفْعَالُهُ مُتَعَلِّقَةً بِأَغْرَاضٍ مَحْمُودَةٍ، مِنْ حَيْثُ كَانَ حَكِيمًا لَا يَجُوزُ مِنْهُ الْعَبَثُ، (وَتِلْكَ) الْأَغْرَاضُ هِيَ الْعِلَلُ الَّتِي لَا تَتَعَدَّى أُصُولَهَا.
قِيلَ لَهُ: مِنْ هَهُنَا أُتِيتَ، وَذَلِكَ لِأَنَّك حِينَ جَهِلْتَ عِلَلَ الْمَصَالِحِ، وَعِلَلَ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ تَنْفَصِلْ عِنْدَك إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى، أَجْرَيْتَهُمَا مَجْرًى وَاحِدًا.
وَعِلَلُ الْمَصَالِحِ لَيْسَتْ هِيَ الْعِلَلَ الَّتِي يُقَاسُ عَلَيْهَا. أَحْكَامُ الْحَوَادِثِ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ طَرِيقِ التَّوْقِيفِ.
أَلَا تَرَى: أَنَّ صَاحِبَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لَمَّا فَعَلَ تِلْكَ الْأَفَاعِيلَ الَّتِي اسْتَنْكَرَ مُوسَى ظَاهِرَهَا مِمَّا لَمْ يَقِفْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى عِلَلِهَا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالرَّأْيِ، وَلَمْ يَعْلَمْهَا إلَّا