مَوْصُوفَةً بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَالْأَوَامِرُ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَهَبَ الطَّلَبُ وَالْأَمْرُ، وَإِذَا ذَهَبَ الطَّلَبُ لَمْ يَبْقَ لِلصَّوْمِ قُرْبَةٌ وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يُنْهَ عَنْهَا أَصْلًا إنَّمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الصِّفَةِ خَاصَّةً الَّتِي هِيَ الْغَصْبُ فَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ عَلَى حَالِهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى مَصْلَحَةِ الْأَمْرِ فَكَانَ الْأَمْرُ ثَابِتً فَكَانَتْ قُرْبَةً فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْفِطْرِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَالصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُرْبَةٌ، وَبِذَلِكَ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَانْدَفَعَتْ الْإِشْكَالَاتُ كُلُّهَا.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ وَمَتَى دَارَ بَيْنَ النَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ تُرِكَ تَقْدِيمًا لِلرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمُ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لَا)
فَإِنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مَعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ صَوْمُهُ، وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَمَسَّكَ الْحَنَابِلَةُ فِي صَوْمِهِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَصُومُهُ احْتِيَاطًا لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ثُمَّ إنَّا نَاقَضْنَا قَاعِدَتَنَا فَقُلْنَا مَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ وَيَصُومُ مَعَ أَنَّهُ شَاكٌّ فِي طَرَيَان الصَّوْمِ كَمَا شَكَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ فِي طَرَيَان الصَّوْمِ فِيهِمَا سَوَاءٌ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّوْمِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَهُوَ إشْكَالٌ آخَرُ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْفُرُوقِ الْقَادِحَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ، وَمَتَى دَارَ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ تُرِكَ تَقْدِيمًا لِلرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمِ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مَعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ صَوْمُهُ إلَى قَوْلِهِ: وَيُحْتَاجُ إلَى الْفُرُوقِ الْقَادِحَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) . قُلْت
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى قَوَاعِدِهِ عَلَى اخْتِلَالِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطًا حَتَّى يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ لِعَيْنِهِ.
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْفِعْلَ الشَّرْعِيَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قُبْحَهُ لِعَيْنِهِ أَيْ لِفَقْدِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَيْنُهُ وَذَاتُهُ وَمَاهِيَّتُهُ ذَاتِيًّا كَالرُّكْنِ أَوْ عَرَضِيًّا كَالشَّرْطِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِدُونِ بَعْضِ الشُّرُوطِ أَوْ الْأَرْكَانِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ مِنْ الْأَجِنَّةِ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَيْعِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَكَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ فِيهِ، وَكَمَا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا عَلِمْت، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّهْيُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى النَّفْيِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّمَ عَلَيْهِ لَوُجِدَ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْفِعْلِ فَيُعَاقَبَ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ الْفِعْلِ فَيُثَابَ بِامْتِنَاعِهِ وَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قُبْحَهُ لِغَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ إنْ كَانَ مُجَاوِرًا كَالصَّلَوَاتِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ فَيَنْعَقِدُ قُرْبَةً عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ نُهِيَ عَنْ إيقَاعِهِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِصَوْمِهِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ الَّتِي شَرَعَهَا فِيهِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيَأْثَمُ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فَقْدَ الْوَصْفِ شَرْطًا كَمَا عَلِمْت فَمَنْ نَذَرَ عِنْدَهُ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ نَذَرَ صَوْمَ غَدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ النَّحْرِ صَحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي فِعْلِهِ دُونَ نَذْرِهِ وَيُؤْمَرُ بِفِطْرِهِ وَقَضَائِهِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَيَفِيَ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الصَّوْمَ كَمَا الْتَزَمَهُ وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِالْمَجْلِسِ وَجَبَ عَلَيْهِ إمَّا الْفَسْخُ أَوْ رَدُّ الزِّيَادَةِ، وَعَادَ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْفَسَادِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِرَدِّ الزِّيَادَةِ فَقَدْ اُعْتُدَّ بِالصَّوْمِ وَالْبَيْعِ الْمَذْكُورَيْنِ لِكَوْنِهِمَا فَاسِدَيْنِ بَاطِلَيْنِ إذْ الْبَاطِلُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِإِرْجَاعِهِمَا ذَلِكَ إلَى النَّهْيِ عَنْ الذَّاتِ بِأَنْ يَجْعَلَا فَقْدَ الْوَصْفِ شَرْطًا كَمَا عَلِمْت.
قَالَ صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ الصَّوْمِ فَإِرْجَاعُهُ إلَى غَيْرِهِ عُدُولٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ أَنَّ قُبْحَهُ لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَبَاطِلٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ حَتَّى لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِأَصْلِهِ إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي النَّفْيِ مَجَازًا، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَلَا يَفْسُدُ بِوَصْفِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْقُبْحَ لِوَصْفِهِ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَنْ التَّفْتَازَانِيِّ مَعَ تَوْضِيحٍ وَزِيَادَةٍ مِنْ الْأَصْلِ وَمُحَلَّيْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْعَطَّارِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ لِمُجَاوِرِهَا لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ عَلَى مَشْهُورِ مَالِكٍ وَقَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِعَيْنِهَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لِوَصْفِهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِرُجُوعِهِ إلَى النَّهْيِ عَنْ الذَّاتِ بِجَعْلِ فَقْدِ الْوَصْفِ شَرْطًا