التَّقْدِيرَيْنِ بَطَلَ مَا حَاوَلْته مِنْ الْفَرْقِ قُلْت سُؤَالَاتٌ حَسَنَةٌ وَالْجَوَابُ عَنْهَا أَنِّي أَلْتَزِمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ وَلَا أُسَوِّي كَمَا قَالَتْهُ الْحَنَابِلَةُ.
وَلَا يَلْزَمُنِي عُقُودُ الرِّبَ بِسَبَبِ أَنَّ انْتِقَالَ الْإِمْلَاكِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ، وَصَاحِبُ الدِّرْهَمِ أَوْ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ مَا رَضِيَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا مُقَابَلًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ صَاعَيْنِ فَإِذَا أَسْقَطْنَا أَحَدَ الدِّرْهَمَيْنِ أَوْ أَحَدَ الصَّاعَيْنِ بَطَلَ مَا حَصَلَ بِهِ الرِّضَا، وَنَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ رِضًا لَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُ أَيْضًا نَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ إنَّمَا هُوَ هَذَا الْمَجْمُوعُ إمَّا دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ بَلْ اقْتَضَى عَدَمَهُ فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعْتُك دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ يَكُونُ نَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ رِضًا وَلَا عَقْدٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُوجَبُ الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وُجِدَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الْآمِرَ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا عَدَمَ الْغَصْبِ بَلْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَصْبَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الصَّلَاةِ، وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الْغَصْبِ فَقَدْ وُجِدَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وَمُقْتَضَى النَّهْي بِجُمْلَتِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا وَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُقْتَضَاهُ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ السَّرِقَةَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الصَّلَاةِ، وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا عَدَمَ السَّرِقَة فَإِذَا سَرَقَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ وُجِدَ مُوجَبُ الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وَمُوجَبُ النَّهْيِ بِجُمْلَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالصَّلَاةِ، وَنَقْطَعُهُ لِلسَّرِقَةِ عَمَلًا بِتَحَقُّقِ السَّبَبَيْنِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُقُودِ وَمُقْتَضَيَاتِهَا وَبَيْنَ الْأَوَامِرِ وَمُوجَبَاتِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ النَّظَرِ الْجَمِيلِ وَالْبَحْثِ الدَّقِيقِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْته مِنْ سُقُوطِ الْفَرْقِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا قُرْبَتَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا، وَالنَّهْيُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ فَأَقُولُ وُرُودُ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَوْصُوفَةَ عَرِيَّةٌ عَنْ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ بِأَنْ يَرَى الْإِنْسَانُ الظِّلَّ عِنْدَ الزَّوَالِ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ جِهَتَيْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا مَائِلًا لِجِهَةِ الْمَشْرِقِ، أَوْ لَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ مَعَ كَوْنِ الْأُفُقِ صَاحِيًا لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ فَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ تَسْيِيرِ دَرَجِ الْفَلَكِ فَإِذَا شَاهَدُوا مَا يَقْتَضِي مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ الْمُتَوَسِّطِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ أَمَرُوا النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَجِدُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ وَالْأُفُقُ صَاحٍ لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ مُشْكِلٌ، وَنَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَنْصِبْ تَحْقِيقَ الْخُرُوجِ بِدُونِ رُؤْيَتِهِ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِذَلِكَ فَاشْتَرَطَ فِي سَبَبِيَّةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ التَّحْقِيقَ دُونَ الرُّؤْيَةِ وَفِي سَبَبِيَّةِ الْهِلَالِ الرُّؤْيَةَ دُونَ مُجَرَّدِ التَّحْقِيقِ إلَّا أَنَّ جَعْلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَحْنَافِ وَالْحَنَابِلَةِ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي جَعْلِهِمْ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتَهُمْ مَعَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَعَصْرَهُمْ وَمَغْرِبَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ نَظَرًا لِسُكُونِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَ عَلَى قَوْمٍ يَكُونُ عِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَعِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ النَّهَارِ وَعِنْدَ آخَرِينَ غُرُوبَ الشَّمْسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ مُشْكِلٌ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ضَرُورَةَ أَنَّ مَا مِنْ دَرَجَةٍ تَطْلُعُ مِنْ الْفَلَكِ أَوْ تَتَوَسَّطُ أَوْ تَغْرُبُ إلَّا وَفِيهَا جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ بِحَسَبِ آفَاقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَقْطَارٍ مُتَبَايِنَةٍ حَتَّى إنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِمْ مَسْأَلَةُ أَخَوَيْنِ مَاتَا عِنْدَ الزَّوَالِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ أَيُّهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ فَأَفْتَى الْفُضَلَاءُ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ يَرِثُ الْمَشْرِقِيَّ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَشْرِقِ قَبْلَ زَوَالِ الْمَغْرِبِ فَالْمَشْرِقِيُّ مَاتَ أَوَّلًا فَيَرِثُهُ الْمَغْرِبِيُّ الْمُتَأَخِّرُ لِبَقَائِهِ بَعْدَهُ حَيًّا مُتَأَخِّرَ الْحَيَاةِ نَعَمْ قُدِّمَ هَذَا الْإِشْكَالُ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مُوَضَّحًا، وَمَرَّ جَوَابُهُ بِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَنْقَعٌ لِمَنْ لَهُ قَلْبٌ وَمَسْمَعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّلَوَاتِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً بِخِلَافِ الصِّيَامِ فِي أَيَّامِ الْأَعْيَادِ وَالْجَمِيعُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ بَعْضَ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ لِأَحْكَامٍ مَقْصُودَةٍ كَالصَّوْمِ لِلثَّوَابِ وَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَعَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَاخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ فِي بَقَاءِ ذَلِكَ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَيَكُونُ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ مَنَاطًا لِلثَّوَابِ وَفِي ارْتِفَاعِهِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ مَنَاطًا لِلثَّوَابِ، فَحَكَمَ بِالِارْتِفَاعِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى نَظَرًا لِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِكَوْنِهَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ أَوْ الْحَالَاتِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ عَلَى قَوَاعِدِهِمَا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَحَيْثُ وَقَعَتْ مَوْصُوفَةً بِهِ وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِعَيْنِهَا أَيْ لِذَاتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فُقِدَ شَرْطُهَا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا فَقَدَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَاتِيًّا كَالرُّكْنِ أَوْ عَرَضِيًّا كَالشَّرْطِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ وَحَكَمَ بِعَدَمِ الِارْتِفَاعِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظَرًا لِكَوْنِ النَّهْيِ