رزق للعباد فِي الْجُمْلَة بِدلَالَة قَوْله تَعَالَى (خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا) وَإِن كَانَ رزقا لَهُم فِي الْجُمْلَة فتفصيل قسمته على مَا يَصح وَيجوز من الْأَمْلَاك وَلَا يكون الْحَرَام رزقا لِأَن الرزق هُوَ الْعَطاء الْجَارِي فِي الحكم وَلَيْسَ الْحَرَام مِمَّا حكم بِهِ وَمَا يفترسه الْأسد رزق لَهُ بِشَرْط غلبته عَلَيْهِ كَمَا أَن غنيمَة الْمُشْركين ربق لنا بِشَرْط غلبتنا عَلَيْهِم والمشرك يملك مَا فِي يَده أما إِذا غلبناه عَلَيْهِ بَطل ملكه لَهُ وَصَارَ رزقا لنا وَلَا يكون الرزق إِلَّا حَلَالا فَأَما قَوْلهم رزق حَلَال فَهُوَ توكيد كَمَا يُقَال بلاغة حَسَنَة وَلَا تكون البلاغة إِلَّا حَسَنَة
أَن الزرق اسْم لما يملك صَاحبه الِانْتِفَاع بِهِ فَلَا يجوز منازعنه فِيهِ لكَونه حَلَالا لَهُ وَيجوز أَن يكون مَا يغتذيه الْإِنْسَان حَلَالا وحراما إِذْ لَيْسَ كل مَا يغتذيه الْإِنْسَان رزقا لَهُ أَلا ترى أَنه يجوز أَن يغتذي بِالسَّرقَةِ وَلَيْسَت السّرقَة رزقا للسارق وَلَو كَانَت رزقا لَهُ لم يذم عَلَيْهَا وعَلى النَّفَقَة مِنْهَا بلَى كَانَ يحمد على ذَلِك وَالله تَعَالَى محد الْمُؤمنِينَ بالنفاقهم فِي قَوْله تَعَالَى (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ)
أَن الْإِعْطَاء هُوَ اتِّصَال الشَّيْء إِلَى الْآخِذ لَهُ أَلا ترى أَنَّك تُعْطِي زيدا المَال ليَرُدهُ إِلَى عَمْرو وتعطيه ليتجر لَك بِهِ وَالْهِبَة تَقْتَضِي التَّمْلِيك فَإِذا وهبته لَهُ فقد ملكته إِيَّاه ثمَّ كثر اسْتِعْمَال
الْإِعْطَاء حَتَّى صَار لَا يُطلق إِلَّا على التَّمْلِيك فَيُقَال أعطَاهُ مَالا إِذا ملكه إِيَّاه وَالْأَصْل مَا تقدم
أَن الانفاق هُوَ إِخْرَاج المَال من الْملك وَلِهَذَا لَا يُقَال الله تَعَالَى ينْفق على الْعباد وَأما قَوْله تَعَالَى (ينْفق كَيفَ يَشَاء) فَإِنَّهُ مجَاز لَا يجوز اسْتِعْمَاله فِي كل مَوضِع وَحَقِيقَته أَنه يرْزق العبادعلى قدح الْمصَالح والإعطاء لَا يَقْتَضِي إِخْرَاج الْمُعْطى من الْملك وَذَلِكَ أَنَّك تُعْطِي زيدا المَال ليَشْتَرِي لَك الشَّيْء وتعطيه الثَّوْب ليخيطه لَك وَلَا يخرج عَن ملكك بذلك فَلَا يُقَال لهَذَا إِنْفَاق
أَن الْهَدِيَّة مَا يتَقرَّب بِهِ الْمهْدي إِلَى المهدى إِلَيْهِ