وَلَيْسَ كَذَلِك الْهِبَة وَلِهَذَا لَا يجوز أَن يُقَال إِن الله يهدي إِلَى العَبْد كَمَا يُقَال إِنَّه يهب لَهُ وَقَالَ تَعَالَى (فَهَب لي من لَدُنْك وليا) وَتقول أهْدى المرؤوس إِلَى الرئيس ووهب الرئيس للمرؤوس وَاصل الْهَدِيَّة من قَوْلك هدى الشَّيْء إِذا تقدم وَسميت الْهَدِيَّة لِأَنَّهَا تقدم أَمَام الْحَاجة
أَن أصل المنحة الشَّاة أَو الْبَعِير يمنحها الرجل أَخَاهُ فيحتلبها زَمَانا ثمَّ يردهَا قَالَ بَعضهم لَا تكون المنحة إِلَّا النَّاقة وَلَيْسَ كَذَلِك وَالشَّاهِد مَا أنْشد الْأَصْمَعِي رَحمَه الله تَعَالَى (من الطَّوِيل)
(أعبد بني سهم أَلَسْت براجع ... منيحتنا فِيمَا ترد المنائح)
(لهاشعر ضاف وجيد مقلص ... وجسم حداري وضرع مجالح)
وَهَذِه صفة شَاة والممانح لَا يَنْقَطِع لَبنهَا مَعَ الجدب ثمَّ صَار كل عَطِيَّة منحة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَقَالَ بَعضهم كل شَيْء تقصده بِهِ قصد شَيْء فقد منحته إِيَّاه كَمَا تمنح الْمَرْأَة وَجها وَأنْشد (من الرجز)
(قد علمت إِذْ منحتني فاها ... )
وَالْهِبَة عَطِيَّة مَنْفَعَة تفضل بهَا على صَاحبك وَلذَلِك لم تكن عَطِيَّة الدّين وَلَا عَطِيَّة الثّمن هبة وَهِي مُفَارقَة للصدقة لما فِي الصَّدَقَة من معنى تضمن فقر صَاحبهَا لتصديق حَاله فِي مَا ينبي حَاله من فقره
أَن النِّعْمَة مضمنة بالشكر لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا حَسَنَة وَقد تكون الْهِبَة قبيحة بِأَن تكون مَغْصُوبَة
أَن النحلة مَا يُعْطِيهِ الْإِنْسَان بِطيب نفس