مُلْكي [شَيئاً] إلا كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ فِيهِ المخِيطُ غَمْسةً واحدةً، يا عبادِي إنَّما هي أعمَالُكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإعطاء (من ملكي شيئاً إلا كما ينقص البحر) بالنصب (أن يغمس) بفتح الهمزة ويغمس بالبناء للمجهول وأن ومدخولها فاعل ينقص أي إلا كما ينقص غمس المخيط البحر إذا غمس (فيه غمسة واحدة) أي وهو في رأي العين لا ينقص من البحر شيئاً فكذا الإعطاء من الخزائن الإلهية لا ينقصها شيئاً البتة إذ لا نهاية لها والنقص مما لا يتناهى محال بخلاف ما يتناهى كالبحر وإن جل وعظم وكان أكبر المرئيات في الأرض بل قد يوجد العطاء الكثير من المتناهى ولا ينقص كالنار والعلم يقتبس منهما ما شاء الله ولا ينقص منهما شيء بل قد يزيد العلم بالإنفاق وقال المصنف لأن عطاءه من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص اهـ. وتشبيه ما ذكر بالمخيط إذا دخل البحر من حيث عدم النقص من حيث المشاهدة الصورية كما أشار إليه وإلا فالمخيط إذا دخل في الماء يتعلق منه شيء لطيف يحصل به النقصان فالبحر ينقص بهذا الشيء القليل المأخوذ منه الذي لا يكاد يدرك وتلك الخزائن لا تنقص شيئاً مما أفاضه تعالى منها من حين السموات والأرض إلى انقضاء هذا العالم ثم من بعثه إلى ما لا نهاية له لما تقرر من استحالة نقص ما لا يتناهى لأن عطاءه عزّ وجلّ بين الكاف والنون {إِنَّمَا أَمْرُهُ
إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وحكمة ضرب المثل بما ذكر أنه غاية ما يضرب به المثل في القلة إذ البحر من أعظم ما يعاين والإبرة من أصغره مع أنها صقيلة لا يتعلق بها شيء إلا ما لا يمكن إدراكه كما مر وفي هذا تنبيه وأي تنبيه للخلق على إدامة سؤاله تعالى مع إعظام الرغبة وتوسيع المسألة فلا يختصر سائل ولا يقتصر طالب فإن خزائن الرحمة سحاء الليل والنهار لا ينقصها الإعطاء وإن جل وعظم وقيل إن ذلك إشارة للنعمة المخلوقة وهي يتصور فيها النقص كالبحر. قوله: (إنما هي) الضمير راجع إلى ما يفهم من قوله أتقى قلب رجل وأفجر قلب رجل وهي الأعمال الصالحة