. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

شعوراً من أصل الفطرة بما تحمد عاقبته ومآلاً ولكن يغلب عليها الشهوة حتى توجب لها الإقدام على ما يضرها كما غلبت على السارق والزاني مثلاً فأوجبت لهما الحد فإذا عرفت ذلك اتضح لك وجه كون التأثير في النفس علامة للإثم لأنه لا يصدر إلا لشعورها بسوء عاقبته ووجه كون كراهة اطلاع النّاس يدل على أنه إثم أن النفس بطبعها تحب اطلاع النّاس على خيرها وبرها وتكره ضد ذلك ومن ثم أهلك الرياء أكثر النّاس فبكراهتها اطلاع النّاس على فعلها يعلم أنه شر وإثم وهل كل من هاتين العلامتين مستقل بكونه علامة على الإثم من غير احتياج إلى الأخرى أو غير مستقل بل هو جزء علامة والعلامة الحقيقية مركبة منهما كل محتمل، قضية {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الأول وقضية العطف بواو الجمع هنا الثاني وعليه فالفعل إن وجد فيه الأمران كالرياء والربا فإثم قطعاً وإن انتفيا عنه كالعباده ونحو الأكل المباح فبر قطعاً وإن وجد

فيه أحدهما احتمل البر والإثم فيكون من المشتبه والذي يتجه أنهما متلازمان لأن كراهة النفوس تستلزم كراهة اطلاع النّاس وعكسه ثم عموم الحديث مخصوص بما عدا خطور المعصية والهم بها إذ لا إثم فيهما وإن كانت العلامتان للإثم فيه لحديث أن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به نفوسها ما لم تعمل به أو تتكلم بل ربما يثاب من هم بزنى مثلاً وحاك في نفسه ونفرت منه لضرب من التقوى إذ هو حينئذٍ من باب قوله تعالى في الحديث القدسي اكتبوها له حسنة إنما تركها من أجلي، أما العزم فإنه إثم لوجود العلامتين فيه ولا مخصص يخرجه من عموم الخبر بل حديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ظاهر في ذلك إذ ذلك الحرص المعلل الدخول به وحده مع قطع النظر عن الفعل المقترن به عزم مجرد، ثم الحديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- بل من أوجزها إذ البر كلمة جامعة لجميع أفعال الخير وخصال المعروفة والإثم كلمة جامعة لجميع أفعال الشر والقبائح صغيرها وكبيرها كما علم مما تقرر فيهما ولهذا السبب قابل -صلى الله عليه وسلم- بينهما وجعلهما ضدين ولما كان الحديثان في معنى واحد عدهما الشيخ حديثاً واحداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015