ألا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَح الجَسَدُ كلُّهُ، وإذَا فَسدَت فسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهي القَلْبُ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لكل ملك حمى وإن الله محارمه وفي الثالثة: إلا أن الأمر كذلك أي من أن حمى الله محارمه وإن في الجسد الخ وقال الكازروني يحتمل أن يكون العطف على ألا لأنها في معنى انته ويحتمل أن الواو في المواضع الثلاثة هي للاستئناف قال وهو أولى والحاصل أن كل ملك من ملوك العرب له حمى يحميه عن النّاس ولتوعد من دخل فيه بالعقوبة الشديدة وقد حمى -صلى الله عليه وسلم- حرم المدينة عن أن يقطع شجره أو يصاد صيده وحمى عمر رضي الله عنه لإبل الصدقة أرضاً ترعى فيها وحمى الله محارمه أي المعاصي التي حرمها وهي الجناية على النفس والعرض والمال كالقتل والزنى والسرقة وتطلق المحارم على المنهيات مطابقة وعلى ترك المأمورات استلزاماً وإطلاق الأول أشهر وعلى كل تقدير فكل هذه حمى الله تعالى من دخلها بارتكابه شيئاً من المعاصي استحق العقوبة ومن قاربه يوشك أن يقع فيه فمن احتاط لنفسه لم يقاربه ولم يتعلق بشيء يقربه من المعصية ولا يدخل في شيء من الشبهات وفي هذا السياق منه -صلى الله عليه وسلم- إقامة برهان عظيم على اجتناب الشبهات إذ حاصله أن الله عزّ وجل ملك وكل ملك له حمى يخشى من قربانه لإيقاعه في أليم عذابه من قرب منه فالله له حمى يخشى منه كذلك وهذا قطعي المقدمتين والنتيجة فلا مساغ للتشكك فيه وفي ذلك أيضاً ضرب المثل بالمحسوس ليكون أشد تصوراً للنفس فيحملها على أن تتأدب مع الله تعالى كما تتأدب الرعايا مع ملوكهم. قوله: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب) وجه مناسبة هذه الجملة لما قبلها قد يخفى وإظهارها أنه لما أفادت ما قبلها بطريق الإشارة التحذير من مواقعة المحرمات أرشد -صلى الله عليه وسلم- في هذه إلى أن القلب هو العمدة فمن عالج إصلاحه حتى صلح بحيث لم يبق فيه داعية إلى المعاصي نجا وتباعد عن المحارم ومن لم يعالجه وأهمله حتى فسد تراكمت فيه دواعي المعاصي وأوقعته في المحارم ولا بد فهلك إلا أن يتداركه