وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنزه عن تمرة ساقطة في بيته وقال: "لولا أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها" لأن احتمال كونها من الصدقة غير بعيد لإتيانهم بالصدقات التمر للمسجد وحجرته ملتصقة به فخشي انتثار تمرة منه إلى حجرته أو إن نحو صبي دخل بها فهو احتمال قريب فتورع نظراً له وإن كان لسببه نوع قوة فالورع مراعاته كما في قصة المرضعة وإن تكافأ السببان تأكد الورع ولم يجب التوقف فيه إلى الترجيح خلافاً لبعضهم
لأن الأصل الحل فاندفع قوله الإقدام على أحد الأمرين من غير رجحان حكم بغير دليل فيحرم إذ لا دليل مع التعارض ولعل من حرم مواقعة الشبهة أراد هذا النوع ومن كرهها أراد الذي قبله اهـ. قوله: (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) أي كان بصدد الوقوع فيه لأن من أكثر تعاطيها ربما صادف الحرام المحض وإن لم يتعمده وقد يأثم بذلك إذا نسب إلى تقصير ولأن من سهل على نفسه ارتكاب الشبهات أوصله الحال تدرجاً إلى ارتكاب المحرمات المقطوع بحرمتها ومن ثم قيل الصغيرة تجر إلى الكبيرة وهي تجر للكفر وهو معنى قول السلف -وقيل هو حديث- المعاصي بريد الكفر، ويؤيد ذلك بقوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ورواية الصحيحين في هذا الحديث ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان أي الحرام الذي ظهر وبرواية غيرهما ومن يخالط الريبة يوشك أن يجسر على الحرام المحض والجسور المقدام الذي لا يهاب شيئاً ولا يراقب أحداً وفي بعض المراسيل من يرعى بجانب الحرام يوشك أن يخالطه ومن تهاون بالمحقرات يوشك أن يخالط الكبائر. قوله: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) هذا منه -صلى الله عليه وسلم- ضرب مثل للتنفير عن الشبهات حذراً من محارم الله وفيه أحسن التنبيه وآكد التحذير وأصله إن ملوك العرب كانوا يحمون لمواشيهم ويتوعدون من دخلها بالعقوبة فكان يبعد عنها النّاس خوفاً من تلك العقوبة والراعي في الأصل الحافظ لغيره ومن ثم