وروينا في كتاب الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُكْثِروا الكلامَ بغَيرِ ذِكْرِ اللهِ، فإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيرِ ذِكْرِ اللهِ تَعالَى قَسْوَة لِلْقَلْبِ، وإن أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الله تَعالىَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو أبى وليس هذا الوصف في عضو آخر من الأعضاء سواه قاله العاقولي وقال بعضهم: قال هذا تنبيهاً على أن أعظم ما تراعي استقامته بعد القلب من الجوارح: اللسان فإنه ترجمان القلب والمعبر به عنه وقد أخرج أحمد لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه وفي الإحياء إنما أسند -صلى الله عليه وسلم- شدة خوفه على أمته في سائر الأخبار إلى اللسان لأنه أعظم الأعضاء عملاً إذ ما من طاعة أو معصية إلا وله فيها مجال فمن أطلق عذبه اللسان وأهمله مرخي العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار ولا يكب النّاس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجي من شره إلا أن يقيد بلجام الشرع، وعلم ما يحمد إطلاق اللسان فيه أو يذم غامض عزيز والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقيل عسير لكن على من يسره الله يسير اهـ.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) قال المنذري ورواه البيهقي. قوله: (قسوة للقلب) أي سبب للقسوة ففيه الإخبار بها مبالغة وهي غلظة وحينئذ يجفو عن قبول ذكر الله تعالى والتأثر بالمواعظ قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أخرج الحاكم اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق بنحوه وفي آخره ولا تطلبوا من القاسية قلوبهم فإنهم ينتظرون سخطي وفي مسند البزار عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربعة من الشقاء: جمود العبرة وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا" ولما تضمنه الأحاديث من اللعنة والسخط وكونه من الشقاء قال بعضهم: قسوة القلب من الكبائر وقيده ابن حجر في الزواجر إذا كانت بحيث تحمل على منع إطعام المضطر مثلاً اهـ. قوله: (وإن أبعد النّاس من الله)