شدائد الأزمات، ومن ثَمَّ وصفه صلى اللَّه عليه وسلم بأنه: "لا يَخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عِبَره، ولا تفنى عجائبه، هو الفصل ليس بالهزل، لا تشبع منه العلماء، ولا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، هو الذي لم تنتهِ الجن حين سمعته أن قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} " (?).
ومنها: ما فيه من الإخبار بما كان مما علموه ومما لم يعلموه، وشهادته على اليهود بأنهم لا يتمنون الموت، وعلى قريش بأنهم لا يأتون بمثل شيءٍ منه.
ومنها: اشتماله على علوم الأولين والآخرين، مع كون الآتي به أقام بينهم أربعين سنةً قبل تكلُّمه به أميًا لا يحسن نظم كتاب، ولا عقد حساب، ولا يتعلَّم سحرًا، ولا ينشد شعرًا، ولا يحفظ خبرًا، ولا يروي أثرًا، إلى أن اكرمه اللَّه سبحانه وتعالى بهذه المعجزة العظمى التي لم يأت بمثلها رسولٌ غيره، كيف وجميع كتبهم يمكن أدنى الفصحاء أن يأتي بمثلها؟! إذ لا إعجاز في لفظها.
ومن ثَمَّ صح عنه صلى اللَّه عليه وسلم: "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أُوتي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيت وحيًا يوحى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" (?)؛ وذلك لأن إكرامه صلى اللَّه عليه وسلم بهذه المعجزة (المستمرةِ) الدائمة (على تعاقب) أي: توالي (السنين) يستلزم بالضرورة كثرتهم؛ لمشاهدة أهل كل زمنٍ لها، فيحملهم ذلك على الإيمان به، بخلاف باقي معجزات الرسل؛ لانقطاعها بموتهم، وباقي معجزات نبينا صلى اللَّه عليه وسلم، فإنه لولا تصديق القرآن لها. . لما آمن بها إلا قليلٌ؛ لانقطاع وجودها، وعدم إحساس الناس بها.
(و) المكرم (بالسُّنن) جمع سُنَّةٍ؛ وهي لغةً: الطريقة، واصطلاحًا: أقواله صلى اللَّه عليه وسلم وأفعاله وأحواله.
ووجه إكرامه صلى اللَّه عليه وسلم بها: أنها إنباءٌ عن وحيٍ أو إلهامٍ من اللَّه سبحانه وتعالى، أو اجتهاد حقًّ مطابقٍ للواقع، وما ينطق عن الهوى.