وفي روايةٍ لمسلم: أنه قال في الثالثة: "قد غفرت لعبدي فلعمل ما شاء" (?) أي: ما دام على هذا الحال كلَّما أذنب. . استغفر ولم يصر.
وأخرج أبو داوود والترمذي: "ما أصرَّ مَنِ استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة" (?)، فالاستغفار التام الكامل، المسبب عنه المغفرة: هو ما قارن عدم الإصرار؛ لأنه حينئذٍ توبةٌ نصوحٌ، وأما مع الإصرار. . فهو مجرد دعاءٍ كما مر.
ومن قال: (إنه توبة الكذابين) مراده: أنه ليس بتوبة حقيقة؛ خلافًا لما تعتقده العامة؛ لاستحالة التوبة مع الإصرار، على أن من قال: (أستغفر اللَّه وأتوب إليه) وهو مصرٌّ بقلبه على المعصية كاذبٌ آثم؛ لأنه أخبر أنه تائبٌ وليس حاله كذلك؛ فإن قال ذلك وهو غير مصرٍّ بأن أقلع بقلبه عن المعصية. . فقالت طائفةٌ من السلف: يكره له ذلك، وبه قال أصحاب أبي حنيفة رحمهم اللَّه تعالى؛ لأنه قد يعود إلى الذنب فيكون كاذبًا في قوله: (وأتوب إليه)، والجمهور على أنه لا كراهة في ذلك؛ لأن العزم على ألَّا يعود إلى المعصية واجبٌ عليه، فهو مخبرٌ عمَّا عزم عليه في الحال، فلا ينافي وقوعه منه في المستقبل، فلا كذب بتقدير الوقوع.
وفي حديث كفارة المجلس: "أستغفرك اللهم وأتوب إليك" (?).
وأخرج أبو داوود: أنه صلى اللَّه عليه وسلم قطع إنسانًا ثم قال له: "استغفر اللَّه وتب إليه" فقال: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، فقال: "اللهم؛ تب عليه" (?)، بل استحبَّ جمعٌ من السلف قول ذلك مع زيادة: (توبةَ مَنْ لا يملك لنفسه ضرًا، ولا نفعًا، ولا موتًا، ولا حياةً، ولا نشورًا).