حلمه وعفوه؛ إذ لو بلغت ذنوب العبد ما عسى أن تبلغ ثم استقال منها بالاستغفار. . غفرت؛ لأنه طلب الإقالة من كريم، والكريم محل إقالة العثرات، وغفر الزلات.
وقد طلب تعالى منا الاستغفار ووعد بالإجابة في آيٍ كثيرةٍ من كتابه العزيز.
وما ذكرناه من أن المراد بالاستغفار التوبة لا مجرد لفظه. . هو ما ذكره بعضهم، وهو الموافق للقواعد بالنسبة للكبائر؛ إذ لا يكفرها إلا التوبة، بخلاف الصغائر؛ فإن لها مكفراتٍ أُخر؛ كاجتناب الكبائر، والوضوء، والصلاة، وغيرها، فلا يبعد أن يكون الاستغفار مكفرًا لها أيضًا، وينبغي أن يحمل على ذلك أيضًا تقييدُ بعضهم جميع ما جاء في نصوص الاستغفار المطلقة بما في آية (آل عمران) من عدم الإصرار؛ فإنه تعالى وعد فيها المغفرة لمن استغفره من ذنوبه ولم يصر على ما فعل، قال: فتحمل نصوص الاستغفار المطلقة كلها على هذا المقيد. اهـ
نعم؛ نحو (أستغفر اللَّه) و (اللهم؛ اغفر لي) من غير توبةٍ دعاءٌ، فله حكمه من أنه قد يُجاب تارةً، وقد لا يُجاب أُخرى؛ لأن الإصرار قد يمنع الإجابة كما أفاده مفهوم آية (آل عمران) السابقة، وأخرج ابن أبي الدنيا: "المستغفر من ذنبٍ وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه" قيل: رفعه منكر، ولعله موقوفٌ على راويه ابن عباس. اهـ (?)
ويُجاب بأنه حجةٌ وإن فرض أنه موقوفٌ؛ لأن مثله لا يقال من قِبَلِ الرأي، وكلُّ موقوفٍ كذلك. . له حكم المرفوع.
وأخرج ابن أبي الدنيا مرفوعًا: "بينا رجل مستلقٍ. . إذ نظر إلى السماء وإلى النجوم فقال: إني لأعلم أن لكِ ربًا خالقًا، اللهم؛ اغفر لي، فغفر له" (?).
ويؤيده خبر "الصحيحين": "إن عبدًا أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت ذنبًا فاغفر لي، فقال اللَّه عز وجل: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرتُ لعبدي، ثم مكث ما شاء اللَّه، ثم أذنب ذنبًا آخر" فذكر مثل الأول مرتين أخريين (?).