(ولا تباغضوا) أي: لا يُبْغِض بعضكم بعضًا؛ أي: لا تتعاطوا أسباب البغض؛ لأنه قهريٌّ كالحُبِّ لا قدرة للإنسان على اكتسابه، ولا يملك التصرف فيه؛ كما قال صلى اللَّه عليه وسلم لما كان يقسم بين نسائه ويعدل: "اللهم؛ هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب أو الحب والبغض، رواه أبو داوود والترمذي والنسائي (?)؛ وهو: النفرة من الشيء لمعنًى فيه مستقبح، ويرادفه الكراهة.
ثم هو بين اثنين إما من جانبيهما، أو من جانب أحدهما، وعلى كلٍّ فهو لغير اللَّه تعالى حرامٌ، وهو محمل الحديث، وله واجبٌ أو مندوبٌ (?)، قال تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "من أحب للَّه وأبغض للَّه وأعطى للَّه. . فقد استكمل الإيمان" (?).
قال بعضهم: ويثاب المتباغضان للَّه على غَيرتهما له وتعظيم حقه وإن كان أحدهما مخطئًا؛ لأن الفرْض أن كلًّا منهما أدَّاه اجتهاده إلى اعتقادٍ أو عملٍ ينافي اجتهادَ الآخر، فيبغضه على ذلك، وهو معذورٌ عند اللَّه تعالى بخروجه عن عهدة التكليف بالاجتهاد، وأرجو أن غالب طوائف الأمة وفِرَقَها من هذا الباب ما لم يتضمن رأيُ بعضها كفرًا أو فسقًا بواحًا؛ إذ أكثر العقائد المختلف فيها بين الأمة اجتهاديٌّ أو ملحقٌ به. اهـ
والذي يتجه: أن من علم أن مخالفة غيره له إنما نشأت عن اجتهادٍ لكونه من أهله. . لا يجوز له بغضه؛ لأنه حينئذ ليس للَّه؛ إذ الذي له هو ما يكون لأجل المعصية ولا معصية هنا؛ لأن المجتهد مأجورٌ وإن أخطأ.
وعلى ما قررته يحمل قول بعضهم: (لمَّا كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم. . كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم، وكلٌّ منهم يظهر أنه يبغض للَّه، وقد