ثم النهي هنا قيل: للبطلان بناءً على أنه يقتضي الفساد مطلقًا، والأصح عندنا: خلافه؛ لأن الأصح في الأصول: أن النهي إن كان لذات المنهي عنه أو لوصفه اللازم كالركن والشرط. . اقتضى الفساد في العبادة والمعاملة، وإن كان لأمرٍ خارجٍ أو وصفٍ غير لازم. . فلا فيهما (?)، ولا خيار للمشتري عندنا؛ لتقصيره بموافقة الناجش على الزيادة مع عدم الخبرة، فهو كالمغبون (?)، ولا خيار له عندنا أيضًا؛ كمن اشترى زجاجةً يظنها جوهرةً، وفارق خياره في التصرية بأنه لا تقصير يُنسَب إليه بوجهٍ.
ويصح أن يفسَّر النجش هنا بما هو أعم من ذلك؛ لأن النجش لغةً: إثارة الشيء بالمكر والحيلة والمخادعة، وحينئذٍ فالمعنى: لا تتخادعوا، ولا يعامل بعضكم بعضًا بالمكر والاحتيال وإيصال الأذى إليه؛ قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.
وفي حديث: "من غشنا. . فليس منا، والمكر والخداع في النار" (?).
وروى الترمذي: "ملعونٌ من ضارَّ مسلمًا أو مكر به" (?)، فعُلِم أنه يدخل في التناجش المنهي عنه هنا جميع أنواع المعاملات بالغش ونحوه؛ كتدليس العيوب وكتمها، وخلط الجيد بالرديء (?).
وما أحسن قول أبي العتاهية: [من الخفيف]
ليس دنيا إلا بدينٍ وليس الد ... ين إلا مكارم الأخلاق
إنما المكر والخديعة في النا ... ر هما من خصال أهل النفاق
نعم؛ يجوز المكر بمن يحل أذاه وهو الحربي، ومن ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: "الحرب خدعة" (?).