يعذر في نفس الأمر وقد لا يعذر؛ لاتباعه لهواه وتقصيره في البحث عن معرفة ما يبغض عليه، فإن كثيرًا من البغض لذلك إنما يقع ممن يظن أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه، وهذا الظن خطأٌ قطعًا، فإن أراد أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه. . فهذا الظن قد يخطئ وقد يصيب؛ إذ قد يحمله على الميل إليه مجرد هوًى أو إلفٍ أو عادةٍ، فالواجب عليه أن ينصح نفسه ويتحرَّز غاية التحرز، وما أشكل منه. . فليجتنبه خشية أن يقع فيما نُهي عنه من البغض المحرم.
وهاهنا دسيسةٌ ينبغي التفطُّن لها، وهي أن المجتهد بحقٍّ قد يرى رأيًا مرجوحًا، فهو وإن أُثيب عليه قد لا يكون المنتصر لقوله كذلك، وهو ما إذا قصد بانتصاره له أنه من أقوال متبوعه، ولو كان من أقوال غيره. . لم ينتصر له؛ لأن انتصاره حينئذٍ مشوبٌ بإرادة علوِّ متبوعه وظهور كلمته وألَّا ينسب إلى الخطأ، وهذا كله قادحٌ في قصد الانتصار للحق، فافهم ذلك؛ فإنه مهمٌّ ويخفى على كثيرين) (?).
وفي خبر مسلم: "والذي نفسي بيده؛ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا" (?).
وقد بيَّن تعالى من يوقع بيننا العداوة والبغضاء، فقال عز قائلًا: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}، وامتنَّ تعالى على عباده إذ ألَّف بين قلوبهم فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}.
ومن ثم كانت النميمة من أفحش الكبائر؛ لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء، وجاز الكذب للإصلاح.
(ولا تدابروا) أي: لا يُدْبر بعضكم عن بعض (?)؛ أي: لا يعرض عما يجب له