لأن ذلك فرضٌ لا يسقط عن أحدٍ بحال، والرضا به من أقبح المحرمات، أو أن ذلك أقل ثمرة.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: (وقد ضُيِّع الإنكار من أزمان متطاولة، ولم يبقَ منه في هذه الأزمنة إلا رسومٌ قليلةٌ جدًا، وهو بابٌ عظيمٌ به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث. . عمَّ العقابُ الصالحَ والطالحَ، وإذا لم يأخذوا على أيدي الظالم. . يوشك أن يعمهم اللَّه تعالى بعقابه -أي: كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: "ما من قومٍ يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيِّروا فلا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم اللَّه بعقاب" رواه أبو داوود (?)، وفي روايةٍ: "إلا أصابهم اللَّه بعقابٍ قبل أن يموتوا" (?)، وفي أخرى: "إلا عمهم اللَّه بعقاب" (?)، وفي أخرى: "فإذا فعلوا ذلك -أي: عدم الإنكار مع القدرة عليه-. . عذب الخاصة والعامة" (?) - {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فينبغي لطالب الآخرة والساعي في رضا اللَّه تعالى أن يعتني بهذا الباب؛ فإن نفعه عظيم، ولا يهاب من ينكر عليه لارتفاع مرتبته؛ فإنه تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} والأجر على قدر النصب، ولا يحابي نحو صديقٍ؛ فإن حقَّ الصديق أن ينصح صديقه ويهديه إلى مصالح آخرته، ويُنقذه من مضارِّها، ويسعى في عمارة آخرته وإن نقصت دنياه، بخلاف العدو، فإنه الذي يسعى في فساد الآخرة وإن حصل به صورة نفعٍ دنيوي؛ ولذا كانت الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم أولياء المؤمنين، وإبليس لعنه اللَّه تعالى عدوهم.
ومما يتساهل فيه الناس أنهم يرون من يبيع المعيب فلا يبينونه للمشتري ولا ينكرونه على البائع، وهم مسؤولون عنه، والدين النصيحة، ومن لم ينصح. . فقد غشَّ، وقد نصَّ العلماء على أنه يجب على مَنْ علم ذلك أن ينكر على البائع ويعرِّف المشتري.