للجار أن يضع جذوعه على جدار جاره كرهًا عليه، لهذا الحديث، وقال الشافعي في الجديد: ليس له ذلك، لحديث: "لا ضرر ولا ضرار"، مع حديث: "لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ إلا عن طيب نفس" (?)، وحديث: "وأموالكم عليكم حرام" (?).
فإن قلت: هذا يشكل على ما قدمته من تخصيص عموم: "لا ضرر" بما مر، فلِمَ لم يخص بخبر: "لا يمنع أحدكم جاره" لأنه خاصٌّ.
قلت: كان القياس ذلك لو سَلِم مما اشتمل عليه من احتمال أن الضمير في "جداره" راجعٌ للجار؛ أي: لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خَشَبَهُ في جدار نفسه، ومع هذا الاحتمال لا يقوى على التخصيص (?)، فأخذنا بعموم: "لا ضرر"، و"لا يحل مال امرئٍ مسلم" وغيرهما؛ لأنها أقوى منه.
وخبر: "لا ضرر ولا ضرار، وللرجل وضع خَشَبه في جدار جاره" (?). . ضعيفٌ، ففيه جابر الجُعفي فقد ذمَّه ابن عيينة، وحكى من سوء مذهبه ما يسقط روايته، وتبعه على ذلك أصحابه ابن معين، وعلي بن المديني وغيرهما، ولم يعتدوا بثناء الثوري وشعبة عليه.
نعم؛ اختلفت أنظار المجتهدين في تصرُّف الإنسان في ملكه بما يضر بجاره، كفتح كوة، وتعلية بناءٍ مشرفٍ وغيرهما، فأباحه الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه إن أضر بالمالك، ومنعه إن أضر بالملك، والفرق: أن الأول يحتمل عادةً ويمكن الاحتراز عنه بجعل ساترٍ لعياله يمنعهم من النظر، بخلاف الثاني.
ومنعهما غير الشافعي أخذًا بعموم حديث: "لا ضرر"، ويؤيد ما ذهب إليه الشافعي القاعدة الأصولية: أنه يستنبط من النص معنًى يخصصه، ويؤيده أيضًا: