لا، فقال: "إنما مثل المجاهد كمثل الصائم القائم الذي لايفتر من صلاة ولا صيام" (?).
ويرد: بأن الحديث الذي نحن فيه لا شاهد فيه للأفضلية المطلقة؛ لِمَا تقرر في معناه، وإلَّا. . لزم أن الجهاد أفضل من الإسلام؛ لأن ذروة السنام أعلى من الرأس، ولا قائل به، وإنما غاية الأمر: أن المفضول قد يشتمل على مزيةٍ، بل مزايا لا توجد في الفاضل.
وأما الخبر الثاني. . فهو شاهدٌ لأفضلية الصلاة والصوم على الجهاد؛ لأن المشبَّه به أعلى من المشبه.
ووجه رواية ابن ماجه السابقة: أن الجهاد مقرونٌ بالهداية؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} والهداية محصلةٌ لمقصود هذا السائل؛ إذ يلزمها دخول الجنة والمباعدة من النار، فكان الجهاد رأس أمر السائل وعموده وذروة سنامه.
والكلام في المفاضلة بين فرضي عينٍ أو كفايةٍ، أو نفلينِ، لا بين فرضٍ ونفلٍ؛ لأن فرض المفضول أفضل من نفل الفاضل، وهذا محمل قول الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه: (الاشتغال بالعلم أفضل من صلاة النافلة) (?).
والكلام أيضًا في عملينِ متقاربينِ في المشقة؛ كما يدل عليه قول أئمتنا: المراد: أن جنس الصلاة أفضل من جنس الصوم، أو صرف أكثر الزمن إليها أفضل من صرف أكثره إليه، لا أن صلاة ركعتين أفضلُ من صوم يوم.
(ثم قال) صلى اللَّه عليه وسلم: (ألا أخبرك بملاك) بفتح الميم وكسرها (?) (ذلك كله) أي: بمقصوده وجماعه، أو بما يقوم به؛ بمعنى: أنه إذا وجد. . كانت تلك الأعمال كلها على غايةٍ من الكمال، ونهايةٍ من صفاء الأحوال؛ لأنها غنيمةٌ، وكفُّ اللسان عن المحارم سلامةٌ، وهي في نظر العقلاء مُقدَّمةٌ على الغنيمة، وفي هذا إشارةٌ إلى أن جهاد النفس بقمعها عن الكلام فيما يُردِيها ويؤذيها أشقُّ عليها من