والجهاد هو ذروة السنام؛ لأن ذورة الشيء أعلاه، والجهاد أعلى أنواع الطاعات؛ من حيث إن به يظهر الإسلام، ويعلو على سائر الأديان، وليس ذلك لغيره من العبادات، فهو أعلاها بهذا الاعتبار وإن كان فيها ما هو أفضل منه، وعلى هذا يحمل قول بعض الشراح: الجهاد لا يقاومه شيءٌ من الأعمال، ويؤيد ما ذكرته خبر: (أنه يوزن مداد العلماء ودم الشهداء يوم القيامة، فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء) (?)، ومعلوم أن أعلى ما للشهيد دمه، وأدنى ما للعالم مداده، فإذا لم يف دم الشهداء بمداد العلماء. . كان غير الدم من سائر فنون الجهاد كَلَا شيءٍ بالإضافة إلى ما فوق المداد من فنون العلم.
واعلم: أنه صح أنه صلى اللَّه عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال تارةً: "الصلاة لأول وقتها" (?)، وتارةً: "الجهاد" (?)، وتارةً: "بر الوالدين" (?) وحمل على اختلاف أحوال السائلين، فأجاب كلًّا بما هو الأفضل بالنسبة لحاله.
وأما الأفضل على الإطلاق بعد الشهادتين. . فهو الصلاة عندنا؛ فنفلها أفضل النوافل، وفرضها أفضل الفروض؛ لما صح من قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "الصلاة خير موضوع" (?)، وفي روايةٍ صحيحةٍ أيضًا: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة" (?) وقيل: أفضلها الجهاد؛ لهذا الحديث، وحديث: أنهم قالوا: يا رسول اللَّه؛ ما يعدل الجهاد؟ فقال: "لا تطيقونه" ثم ذكروا سؤالهم فقال: "لا تطيقونه" ثم قال: "أيستطيع أحدكم أن يدخل بيتًا فيصوم ولا يفطر، ويصلي ولا يفتر؟ " فقالوا: