أصل الحِل لظاهرٍ قويٍّ، ومرَّ مثله في شرح ذلك الحديث، وذاك على ما ضعفت فيه الشبهة, فيبنى على أصل الحل، ويجتنب محل الشبهة ورعًا، وأُجيب بغير ذلك مما لا يصح، فاجتنبه.
وفي جوابه صلى اللَّه عليه وسلم لوابصة بهذا إشارةٌ إلى متانة فهمه، وقوة ذكائه، وتنوير قلبه؛ لأنه صلى اللَّه عليه وسلم أحاله على الإدراك القلبي، وعلم أنه يدرك ذلك من نفسه؛ إذ لا يدرك ذلك إلا مَنْ هو كذلك، وأما الغليظ الطبع، الضعيف الإدراك. . فلا يجاب بذلك؛ لأنه لا يتحصَّل منه على شيء، وإنما يُفصِّل له ما يحتاج إليه من الأوامر والنواهي الشرعية، وهذا من جميل عادته صلى اللَّه عليه وسلم مع أصحابه؛ فإنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يخاطبهم على قدر عقولهم، ومن ثم قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: (أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم) (?).
هذا (حديث صحيح) وفي نسخةٍ (حسن) (رويناه) بسندنا المتصل حال كونه (في مسندي الإمامين) الجليلين حديثًا وفقهًا وغيرَهما أبي عبد اللَّه (أحمد ابن حنبل) أحد الفقهاء المجتهدين، والأئمة المتبوعين، روى عن أممٍ، وعنه أممٌ؛ كالبخاري ومسلم وأبي داوود وابنيه (?).
مات في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومئتين عن سبعٍ وسبعين سنة.
و"مسنده" فيه أربعون الف حديث، وقيل: ثلاثون تكرر منها عشرة (?)، جمعه من سبع مئة ألف وخمسين ألف حديث، وقال: جعلته حجةً بيني وبين اللَّه تعالى، وقال: ما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. . فارجعوا إليه؛ فإن وجدتموه فيه؛ وإلَّا. . فليس بحجةٍ، وهذا يدل على إحاطته بالسُّنة، واطلاعه عليها، ومن ثم قال في المحنة: كيف أقول ما لم يُقَلْ؟! فلم يجزم بأن ذلك لم يُقَلْ إلا بعد اطلاعه على السنة وأقوال الأئمة.