بخلافه؛ لأنهم إنما يعولون على ظواهر الأمور دون بواطنها.
أو المراد: قد أعطيتك علامة الإثم فاعتبرها في اجتنابه، ولا تُقلِّد من أفتاك بمقارفته، ومحل ذلك: إن كان المستنكر ممن شرح اللَّه صدره وأفتاه غيره بمجرد ظنٍّ أو ميلٍ إلى هوًى من غير دليلٍ شرعيٍّ، وإلَّا. . لزمه اتباعه وإن لم ينشرح له صدره، ومن ثم كره صلى اللَّه عليه وسلم امتناع قومٍ أمرهم بالفطر في السفر؛ إذ ما ورد به النص. . ليس للمؤمن فيه إلا طاعة اللَّه تعالى ورسوله، فليقبله بانشراح صدرٍ؛ قال تعالى: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
وأما ما لا نص فيه منه صلى اللَّه عليه وسلم ولا ممن يُقتدى بقوله؛ فإذا وقع منه شيءٌ في قلبٍ منشرحٍ بنور المعرفة واليقين مع تردُّدٍ، ولم يجد من يفتي فيه إلا من يخبر عن رأيه وهو غير أهلٍ لذلك. . رجع لما أفتاه به قلبه وإن أفتاه هذا وأمثاله بخلافه.
والظاهر: أن هذا ليس من الإلهام المختلف في حجيَّته؛ لأنه شيءٌ يقع في القلب من غير قرينةٍ ولا استعدادٍ، فيثلُج له الصدر، وأما ما هنا. . فهو ترددٌ منشؤه قرائن خفيةٌ أو ظاهرةٌ؛ لأن الفرض أن الأمر مشتبهٌ، وأن القلب مال إلى أنه إثمٌ، فليرجع إليه فيه؛ كما دلَّت عليه النصوص النبوية، وفتاوى الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم.
وإنما وحَّد الفعل الأول لإسناده إلى ظاهر، وجمع الثاني لإسناده إلى ضمير، والأصل فيه: أن الفعل إنما يكون له فاعل واحد، فإن كان ظاهرًا. . امتنع اتصال ضميره بالفعل، وأما: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}. . فمن باب البدل من الضمير، لا من باب تعدُّد الفاعل؛ لامتناعه إلا في لغةٍ ضعيفةٍ، وإن لم يكن ظاهرًا. . وجب إضماره؛ لئلا يتجرَّدَ الفعل عن الفاعل وهو غير جائز.
قيل: بين هذا وبين ما مر من حديث: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن" تعارضٌ؛ لاقتضاء هذا أن المشتبه إثمٌ؛ لأنه يتردَّد في النفس، ومرَّ أن ذلك يقتضي أنه غيرُ إثمٍ.
وجوابه: حمل هذا على ما تردد في الصدر لقوة الشبهة (?)، ويكون من باب ترك