نعم؛ لم يلتزم رضي اللَّه تعالى عنه الصحة في "مسنده" وإنما أخرج فيه ما لم يُجْمِع الناس على تركه، وأما قول بعضهم: إن كل ما فيه صحيحٌ. . فمردودٌ، بل الحق أن فيه أحاديثَ كثيرةً ضعيفةً، وبعضها أشد في الضعف من بعض، حتى إن ابن الجوزي أدخل كثيرًا منها في "موضوعاته" ولكن قد تعقَّبه في بعضها -بل في سائرها- شيخُ الإسلام العسقلاني، وحقَّق نفي الوضع عن جميع أحاديثه، وأنه أحسنُ انتقاءً وتحريرًا من الكتب التي لم تلتزم الصحة في جمعها، قال: وليست الأحاديث الزائدة فيه على ما في "الصحيحين" بأكثر ضعفًا من الأحاديث الزائدة في "سنن أبي داوود" والترمذي عليهما. اهـ (?)

ويقاربه شهرةً وكثرةً "مسند إسحاق"، و"ابن أبي شيبة" و"مصنفه"، و"مسند البزار" و"أبي يعلى" متقاربان في التوسط، و"مسند الحُمَيْدي" و"الدارمي" متقاربان في الاختصار.

ومصنفو الأحاديث منهم من رتَّبها على مسانيد الصحابة كهؤلاء، ومنهم من رتبها على أبواب الأحكام كـ "الصحيحين" و"السنن" وفي كلِّ فائدةٌ وحكمةٌ، فجزاهم اللَّه تعالى خيرًا.

(و) أبي محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن (الدارمي) التميمي السمرقندي الحافظ، من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، روى عنه أئمةٌ؛ كمسلم، وأبي داوود، والترمذي، وأبي زرعة، قال أبو حاتم: هو إمام أهل زمنه.

ولد سنة إحدى وثمانين ومئة، ومات يوم التروية سنة خمسٍ وخمسين ومئتين، والغالب على "مسنده" الصحة، ولمَّا بلغ البخاري نعيه. . بكى وأنشد: [من الكامل]

إن تبقَ تُفْجَعْ في الأحبةِ كلِّهم ... وفناءُ نفسِك لا أبا لك أفْجَعُ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015