على معرفة الحق، والسكون إليه وقبوله، وركز في الطباع محبته، ومن ثم جاء "كل مولودٍ يولد على الفطرة. . . " الحديث، قال أبو هريرة: (اقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}) (?).
وأخبر تعالى أن قلب المؤمن يطمئن بذكره، ويسكن إليه؛ لما أنه انشرح وانفسح بنور الإيمان؛ فلذا رُجِع إليه عند الاشتباه، فما سكن إليه. . فهو البر، وما لا. . فهو الإثم، والجمع بينه وبين النفس للتأكيد؛ لِمَا أن طمأنينة القلب من طمأنينة النفس، وهذا مطابقٌ لقوله أولًا: "البر حسن الخلق" لأن حسنه تطمئن إليه النفس والقلب؛ ولأنه قد يُراد به التخلُّق بأخلاق الشريعة، والتأدُّب بآدابها.
ومن ثم قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: (كان خلقه صلى اللَّه عليه وسلم القرآن) (?) يعني: أنه يتأدَّب بآدابه، فيفعل أوامره، ويجتنب نواهيه، فصار له العمل به خلقًا كالجِبِلَّة والطبيعة، وهذا أكمل الأخلاق، وقد قيل: إن الدين كله خُلُقٌ.
(والإثم ما حاك في النفس وتردَّد في الصدر) أي: القلب، كما مر، والجمع بين هذينِ تأكيدٌ أيضًا، وبه عُلم ضابط الإثم والبر، وأن القلب يطمئن للعمل الصالح طمأنينةً تبشِّره بأمن العاقبة، ولا يطمئن للإثم، بل يورثه تندمًا ونفرةً وحزازةً؛ لأن الشرع لا يقرُّ عليه، وإنما يكون على وجهٍ يشذ، أو تأويل محتمل، لكن يظهر معياره بما مر من أنه الذي يكره اطلاع الناس عليه، ولم يزل هذا ظاهرًا معروفًا، ومن ثم قال زهير: [من الكامل]
أَلسِّتر دونَ الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من سِتْرِ
(وإنْ) غايةٌ لِمُقَدَّر دلَّ عليه ما قبله؛ أي: فالتزم العمل بما في قلبك وإن (أفتاك الناس) أي: علماؤهم، كما في رواية: "وإن أفتاك المفتون" (?) (وأفتوك) (?)