ثم يلزمهم أن مَنْ وجد خيرًا لا يحمد اللَّه تعالى؛ لأنه لا أثر له على ما زعموه، بل يحمد الإنسان نفسه؛ لأنه الخالق لطاعته، الموجد لسلامته، وهذا مراغمةٌ للنص المذكور وغيره، وقد أخبر اللَّه تعالى عن أهل الجنة بأنهم يقولون فيها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}.
(رواه مسلم) وهو حديثٌ عظيمٌ ربانيٌّ، مشتملٌ على قواعد عظيمةٍ في أصول الدين، وفروعه، وآدابه، ولطائف القلوب، وغيرها، وقد ساقه المصنف رحمه اللَّه تعالى في "أذكاره" بإسناده وختم به، وفيه: (عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، عن جبريل، عن اللَّه سبحانه تعالى) ثم نقل أن أبا إدريس راويَهُ عن أبي ذرٍّ كان إذا حدَّث به. . جثا على ركبتيه تعظيمًا له وإجلالًا.
ورجال إسناده دمشقيون، قال أحمد: (ليس لأهل الشام حديثٌ أشرف منه) (?).
وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه بزيادة: "يا عبادي؛ كلكم مذنبٌ إلا من عافيت، فاسألوني المغفرة أغفر لكم، ومن علم منكم أني ذو قدرةٍ على المغفرة فاستغفرني بقدرتي،. . غفرت له ولا أبالي، وكلكم فقير إلا من أغنيت، فاسألوني أرزقكم، فلو أن حيَّكم وميتكم، وأولكم وآخركم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا فسألوني فكانوا على قلب أتقى عبدٍ من عبادي. . لم يزد في ملكي جناح بعوضة، ولو اجتمعوا فكانوا على قلب أشقى عبدٍ من عبادي. . لم ينقص من ملكي جناح بعوضة، ولو أن حيكم وميتكم، وأولكم واخركم، ورطبكم ويابسكم، اجتمعوا فسأل كل سائلٍ منهم ما بلغت أمنيته. . ما نقص من ملكي إلا كما لو كان أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرةً ثم نزعها، ذلك بأني جوادٌ ماجدٌ، أفعل ما أُريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن، فيكون" (?).