يعم نفعها ويعظم وقعها في الفرق بين الوحي المتلو وهو القرآن، والوحي المروي عنه صلى اللَّه عليه وسلم عن ربه عز وجل، وهو ما ورد من الأحاديث الإلهية، وتسمى القدسية، وهي اكثر من مئة، وقد جمعها بعضهم في جزءٍ كبيرٍ، وحديث أبي ذرٍّ هذا من أجلِّها.
اعلم أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسامٌ ثلاثة:
أولها -وهو أشرفها-: القرآن؛ لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجهٍ قدمناها أولَ الكتاب (?)، وكونِه معجزةً باقيةً على ممر الدهر، محفوظةً من التغيير والتبديل، وبحرمة مسِّه للمحدث، وتلاوته لنحو الجُنب، وروايته بالمعنى، وبتعيُّنه في الصلاة، وبتسميته قرآنًا، وبأن كل حرفٍ منه بعشر حسنات، وبامتناع بيعه في روايةٍ عند أحمد، وكراهته عندنا، وبتسمية الجملة منه آية وسورة.
وغيرُه من بقية الكتب والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيءٌ من ذلك، فيجوز مسُّه، وتلاوته لمن ذكر، وروايته بالمعنى، ولا يجزئ في الصلاة، بل يبطلها، ولا يُسمى قرآنًا، ولا يُعطى قارئه بكل حرفٍ عشرًا، ولا يُمنع بيعه، ولا يُكره اتفاقًا، ولا يُسمى بعضه آية ولا سورة اتفاقًا أيضًا.
ثانيها: كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل تغييرها وتبديلها.
ثالثها: بقية الأحاديث القدسية، وهي ما نُقل إلينا آحادًا عنه صلى اللَّه عليه وسلم مع إسناده لها عن ربه، فهي من كلامه تعالى، فتضاف إليه، وهو الأغلب، ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء؛ لأنه المتكلم بها أولًا، وقد تضاف إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم؛ لأنه المخبر بها عن اللَّه تعالى، بخلاف القرآن؛ فإنه لا يضاف إلا إليه تعالى، فيقال فيه: قال اللَّه تعالى، وفيها: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيما يروي عن ربه.